الجأش لأن من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة .
قيل : وأفاد الكلام في هذا المقام فائدتين : إحداهما ما يدل على شجاعته صلى الله تعالى عليه وسلم والثانية ما يدل على رفقه فهو من باب التكميل وقد أجتمعت فيه صلى الله تعالى عليه وسلم هاتان الصفتان يوم أحد حيث ثبت حتى كر عليه أصحابه مع أنه عراه ما عراه ثم مازجرهم ولا عنفهم على الفرار بل آساهم في الغم ولو كنت فظا أي خشن الجانب شرس الأخلاق جافيا في المعاشرة قولا وفعلا غليظ القلب اي قاسيه وقال الكلبي : فظا في الأقوال غليظ القلب في الأفعال .
وذكر بعضهم أن الفظ سيء الخلق في الأمور الظاهرة من الأوقال والأفعال و غليظ القلب السيء في الأمور الباطنة والثاني سبب للأول وقدم المسبب لظهوره إذ هو الذي يطلع عليه ويمكن أن يقال المراد لو كنت على خلاف تينك الصفتين المعبر عنهما بالرحمة وهو التهور المشار إليه بالفظاعة وسوء الأخلاق المرموز إليه بغلظ القلب فإن قساوة القلب وعدم تأثره يتبعها كل صفة ذميمة ولهذا ورد أبعد القلوب عن الله تعالى القلوب القاسية وكأنه لبعده صدر بيمكن وعلى كل تقدير في الكلام حذف أي ولو كنت فظا غليظ القلب فلم تكن لهم وأغلظت عليهم لأنفضوا من حولك أي لتفرقوا عنك ونفروا منك ولم يسكنوا إليك وتردوا في مهاوي الردى ولم ينتظم أمر ما بعثت به من هدايتهم وإرشادهم إلى الصراط فأعف عنهم مترتب على ما قبله أي إذا كان الأمر كذلك فأعف عنهم فيما يتعلق بحقوقك وأستغفر لهم الله تعالى فيما يتعلق بحقوقه سبحانه وتعالى إتماما للشفقة وإكمالا للتربية وشاروهم في الأمر أي في الحرب أخرجه إبن أبي حاتم من طريق إبن سيرين عن عبيدة وهو المناسب للمقام أو فيه وفي أمثاله مما تجري فيه المشاورة عادة وإليه ذهب جماعة وأختلف في مشاورته صلى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه رضي الله تعالى عنهم في أمر الدين إذا لم يكن هناك وحي فمن أبي الأجتهاد له صلى الله تعالى عليه وسلم ذهب إلى عدم جوازها ومن لا يأباهوهو الأصحذهب إلى جوازها وفائدتها الإستظهار برأيهم ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن غنم أن رسول الله قال لأبي بكر وعمر : لو أجتمعتما في مشورة ما خالفتكما أو التطييب لأنفسهم وإليه ذهب قتادة فقد أخرج إبن جرير عنه أنه قال : أمر الله تعالى نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء لأنه أظيب لأنفس القوم أو أن تكون سنة بعده لأمته وإليه ذهب الحسن فقد أخرج البيهقي عنه أنه قال في الآية : قد علم الله تعالى ما به إليهم حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده ويؤيده ما أخرجه إبن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن إبن عباس قال : لما نزلت وشاروهم في الأمر قال رسول الله : أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي فمن أستشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا وقيل : فائدة ذلك أن يمتحنهم فيتميز الناصح من الغاش وليس بشيء وأدعى الجصاص أن كون الأمر بالمشاورة على جهة تطييب النفوس مثلا غير جائز لأنه لو كان معلوما عندهم أنهم إذا أستفرغوا مجهودهم في إستنباط الصواب عما سئلوا عنه ثم لم يكن معمولا به لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم بل فيه إيحاشهم بأن آراءهم غير مقبولة ولا معول عليها وجزم بأنه لابد أن يكون لمشاورته صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم فائدة