عبر بذلك مع التعبير فيما قبل بالصدور للتفنن بناءا على أن المراد بالجمعين واحد .
والله عليم بذات الصدور 451 اي بما في القلوب التي في الصدور من الضمائر الخفية ووصفت بذلك لأنها لتمكنها من الصدور جعلت كأنها مالكة لها فذات بمعنى صاحبة لا بمعنى ذات الشيء ونفسه وفي الآية وعد ووعيد أو أحدهما فقط على الخلاف في الخطاب وفيها تنبيه على أن الله تعالى غني عن الإبتلاء وإنما يبرز صورة الإبتلاء لحكم يعلمها كتمرين المؤمنين أو إظهار حال المنافقين وأختار الصدور ههنا لأن الإبتلاء الغني عنه سبحانه كان متعلقا بما فيها والتمحيص على المعنى الأول تصفية وتطهير وليس ذلك مما تشعر به هذه الجملة بأنه سبحانه غني عنه وإنما فعله لحكمة نعم إذا أريد به الكشف والتمييز يصح أن يقال : إن هذه الجملة مشعرة بأنه تعالى غني أيضا .
ومن هنا جوز بعض المحققين كونها حالا من متعلق الفعلين أي فعل ما فعل للإبتلاء والكشف والحال أنه تعالى غني عنهما محيط بخفيات الأمور إلا أنه لا يظهر حينئذ سر التعبير عن الإسرار والخفيات بذات الصدور دون ذات القلوب مع أن التعبير الثاني أولى بها لأن القلوب محلها بلا واسطة ومحلية الصدور لها بحسب الظاهر بواسطة القلوب اللهم إلا أن يقال : إن ذات الصدور بمعنى الأشياء التي لا تكاد تفارق الصدور لكونها حالة فيها بل تلازمها وتصاحبها أشمل من ذات القلوب لصدق الأولى على الأسرار التي في القلوب وعلى القلوب أنفسها لأن كلا من هذين الأمرين ملازم للصدور بإعتبار كونه حالا فيها دون الثانية لأنها لا تصدق إلا على الأسرار لأنها الحالة فيها دون الصدور فحينئذ يمكن أن يراد من ذات الصدور هذا المعنى الشامل ويكون التعبير بها لذلك إن الذين تولوا الدبر عن المشركين بأحد منكم أيها المسلمون أو أن الذين هربوا منكم إلى المدينة يوم ألتقى الجمعان وهما جمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجمع أبي سفيان .
إنما أستزلهم الشيطان أي طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم يعني إن الذين تولوا كان السبب في توليتهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فأقترفوا ذنوبا فمنعوا من التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا وعلى هذا لا يكون الزل هو التولي بل الذنوب المفضية إليه وجوز أن يكون الزلل الذي أوقعهم الشيطان فيه ودعاهم إليه هو التولي نفسه وحينئذ يراد ببعض ما كسبوا إما الذنوب السابقةومعنى السببية إنجرارها إليه لأن الذنب يجر الذنب كما أن الطاعة تجر الطاعة وإما قبول مازين لهم الشيطان من الهزيمة وهو المروى عن الحسن وإما مخالفة أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بالثبات في المركز فجرهم ذلك إلى الهزيمة وإما الذنوب السابقة لا بطريق الإنجرار بل لكراهة الجهاد معها فقد قال الزجاج : إن الشيطان ذكرهم خطايا لهم كرهوا لقاء الله تعالى معها فأخروا الجهاد وتولوا حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية والتركيب على الوجهين من باب تحقيق الخبر كقوله : إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول وليس من باب أن الصفة علة للخبر كقوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم لأن ببعض ما كسبوا يأباه ويحقق التحقيق وهو أيضا من باب الترديد للتعليق كقوله : صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسها حجر مسته سراء لأن إنما أستزلهم إلخ خبر إن وزيدإنللتوكيد وطول الكلام ومالتكفها عن العمل