وحكمه لا يعقب وفيه من المبالغة في رد مقالتهم الباطلة ما لا يخفى وزعم بعض أن الظاهر الأبلغ أن يراد بمن كتب عليهم القتل الكفار القاتلون أي لخرج الذين يقتلون من بين قومهم إلى مضاجع المقتولين ولم ينج أحد منهم مع تحصنهم بالمدينة وتحفظهم في بيوتهم ولا يخفى بعده لما فيه من التفكيك ولأن الظاهر من عليهم أنهم مقتولون لا قاتلون وقيل : المعنى لو لزمتم منازلكم أيها المنافقون والمرتابون وتخلفتم عن القتال لخرج إلى البراز المؤمنون الذين فرض عليهم القتال صابرين محتسبين فيقتلون ويقتلون ويؤل إلى قولنا : لو تخلفتم عن القتال لا يتخلف المؤمنون والمضاجع جمع مضجع فإن كان بمعنى المرقد فهو إستعارة للمصرع وإن كان بمعنى محل إمتداد البدن مطلقا للحي والميت فهو حقيقة وقريء كتب بالبناء للفاعل ونصب القتل و كتب عليهم القتال و لبرز بالتشديد على البناء للمفعول وليبتلي الله ما في صدوركم أي ليختبر الله تعالى ما في صدوركم بأعمالكم فإنه قد علمه غيبا ويريد أن يعلمه شهادة لتقع المجازاة عليه قاله الزجاج أو ليعاملكم معاملة المبتلى الممتحن قاله غير واحد وهو خطاب للمؤمنين واللام للتعليل ومدخولها علة لفعل مقدر قبل مطوف على علل أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل فعل ما فعل لمصالح جمة وليبتلي إلخ أو لفعل مقدر بعد أي وللإبتلاء المذكور فعل ما فعل لا لعدم العناية بشأن أوليائه وأنصار نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم مثلا .
والعطف على هذا عند بعض المحققين على قوله تعالى : أنزل عليكم والفصل بينهما مغتفر لأن الفاصل من متعلقات المعطوف عليه لفظا أو معنى وقيل : إنه لا حذف في الكلام وإنما هو معطوف على قوله تعالى : لكيلا تحزنوا أي أثابكم بالغم لأمرين عدم الحزن والإبتلاء وأستبعد بأن توسط تلك الأمور محتاج إلى نكتة حينئذ وهي غير ظاهرة وأبعد منه بل لا يكاد يقبل العطف على قوله تعالى : ليبتليكم أي صرفكم عنهم ليبتليكم وليبتلي ما في صدوركم وجعله بعضهم معطوفا على علة محذوفة وكلتا العلتين لبرز الذين كأنه قيل : لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة وللإبتلاء .
وأعترض بأن الذوق السليم يأباه فإن مقتضى المقام بيان حكمة ما وقع يومئذ من الشدة والهوال لا بيان حكمة البروز المفروض وإنما جعل الخطاب للمؤمنين لأنهم المعتد بهم ولأن إظهار حالهم مظهر لغيرهم .
وقيل : إنه لهم وللمنافقين أي ليبتلي ما في سرائركم من الإخلاص والنفاق وقيل : للمنافقين خاصة لأن سوق الآية لهم وظاهر قوله تعالى : وليمحص ما في قلوبكم أي ليخلص ما فيها من الإعتقاد من الوسواس يرجح الأول لأن المنافقين لا إعتقاد لهم ليمحص من الوساوس ويخلص منها ولعل القائلين بكون الخطاب للمنافقين فقط أو مع المؤمنين يفسرون التمحيص بالكشف والتمييز أي ليكشف ما في قلوبكم من مخفيات الأمور أو النفاق ويميزها إلا أن حمل التمحيص على هذا المعنى يجعل هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها وإنما عبر بالقلوب هنا كما قيل : لأن التمحيص متعلق بالإعتقاد على ماأشرنا إليه وقد شاع إستعمال القلب مع ذلك فيقال : أعتقد بقلبه ولا تكاد تسمعهم يقولون أعتقد بصدره أو آمن بصدره وفي القرآن أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وليس فيه كتب في صدورهم الإيمان نعم يذكر الصدر مع الإسلام كما في قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام ومن هنا قال بعض السادات : القلب مقر الإيمان والصدر محل الإسلام والفؤاد مشرق المشاهدة واللب مقام التوحيد الحقيقي ولعل الآية على هذا تؤل إلى قولنا ليبتلي إسلامكم وليمحص إيمانكم وربما يقال