وأصل التركيب إن الذين تولوا منكم يوم ألتقى الجمعان إنما تولوا لأن الشيطان أستزلهم ببعض إلخ فهو كقولك : إن الذي أكرمك إنما أكرمك لأنك تستحقه وذكر بعض للإشارة إلى أن في كسبهم ما هو طاعة لا يوجب الإستزلال أو لأن هذه العقوبة ليست بكل ما كسبوا لأن الكل يستدعي زيادة عليها لكنه تعالى من بالعفو عن كثير ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولقد عفا الله عنهم أعاد سبحانه ذكر العفو تأكيدا لطمع المذنبين فيه ومنعا لهم عن اليأس وتحسينا للظنون بأتم وجه وقد يقال : هذا تأسيس لا تأكيد فتذكر إن الله غفور للذنوب صغائرها وكبائرها حليم 551 لا يعاجل بعقوبة المذنب وقد جاءت هذه الجملة كالتعليل للعفو عن هؤلاء المتولين وكانوا أكثر القوم فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنه لم يبق مع النبي يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا خمسة من المهاجرين أبو بكر وعلي وطلحة وعبدالرحمن إبن عوف وسعد بن أبي وقاص والباقون من الأنصار رضي الله تعالى عنهم أجمعين ومن مشاهير المنهزمين عثمان ورافع بن المعلى وخارجة بن زيد وأبو حذيفة بن عتبة والوليد بن عقبة وسعد وعقبة إبنا عثمان من الأنصار من بني زريق وروى عن إبن عباس أن الآية نزلت في الثلاثة الأول وعن غيره غير ذلك ولم يوجد في الآثار تصريح بأكثر من هؤلاء ولعل الإقتصار عليهم لأنهم بالغوافي الفرار ولم يرجعوا إلا بعد مضي وقت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أن منهم من لم يرجع إلا بعد ثلاث فزعموا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : لقد ذهبتم بها عريضة وأما سائر المنهزمين فقد أجتمعوا في ذلك اليوم على الجبل وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان من هذا الصنف كما في خبر إبن جرير خلافا للشيعة وبفرض التسليم لا تعيير بعد عفو الله تعالى عن الجميع ونحن لا ندعي العصمة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولا نشترطها في الخلافة .
ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وهم المنافقون كعبدالله بن أبي وأصحابه قاله السدي ومجاهدوإنما ذكر في صدر الجملة كفرهم تصريحا بمباينة حالهم لحال المؤمنين وتنفيرا عن مماثلتهم وهم هم وفيه دليل على أن الإيمان ليس عبارة عن مجرد الإقرار باللسانكما يقوله الكراميةوإلا لما سمى المنافق كافرا وقيل : المراد بالذين كفروا سائر الكفار على العموم أي لاتكونوا كالكفرة في نفس الأمر وقالوا لإخوانهم في المذهب أو النسب واللام تعليلية أي قالوا لأجلهم وجعلها إبن الحاجب بمعنى عن ولا يجوز أن يكون المراد مخاطبة الإخوان كما هو المتبادر لدلالة ما بعد على أنهم كانوا غائبين حين هذا القول وقول بعضهم : يصح أن يكون جعل القول لإخوانهم بإعتبار البعض الحاضرين والضرب الآتي لضرب آخر تكلف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول إذا ضربوا في الأرض أي سافروا فيها لتجارة أو طلب معاش فماتواقاله السديوأصل الضرب إيقاع شيء على شيء وأستعمل في السير لما فيه من ضرب الأرض بالرجل ثم صار حقيقة فيه وقيل : أصل الضرب في الأرض الأبعاد في السير وهو ممنوع وخص الأرض بالذكر لأن أكثر أسفارهم كان في البر وقيل : أكتفى بذكر الأرض مرادا بها البر عن ذكر البحر وقيل : المراد من الأرض ما يشمل البر والبحر وليس بالبعيد وجيءبإذاوحق الكلام إذ كما قالوا لقالوا الدال بهيئة على الزمان المنافي للزمان الدالة عليه