بباب الشعب فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليهم فيقتلونهم أيضا فأصابهم حزن أنساهم حزنهم في أصحابهم فذلك قوله تعالى : فأثابكم غما بغم إلخ وحديث إن المجازاة بالغم إنما تكون سببا للحزن لا لعدمه غير مسلم على الإطلاق وأي مانع من أن يكون غم مخصوص سببا لزوال غم آخر مخصوص أيضا بأن يعظم الثاني فينسى الأول فتدبر والله خبير بما تعملون 351 عليم بأعمالكم وبما قصدتم بها وفي المقصد الأسنيالخبيربمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبها خبيرا وفيه ترغيب في الطاعة وترهيب عن المعصية ثم أنزل عليكم عطف على فأثابكم والخطاب للمؤمنين حقا والمعنى ثم وهب لكم أيها المؤمنون من بعد الغم الذي أعتراكم والتصريح بتأخر الإنزال عنه مع دلالة ثم عليه وعلى تراخيه عنه لزيادة البيان وتذكير عظم المنة أمنة مصدر كالمنعة وهو مفعول أنزل أي ثم أنزل عليكم أمنا نعاسا بدل إشتمال منها وقيل : عطف بيان وجوز أن يكون نعاسا منصوبا على المفعولية و أمنة حال منه والمراد ذا أمنة ولا يضر كونها من النكرة لتقدمها أو حال من المخاطبين على تقدير مضاف أي ذوي أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة .
وقيل : إن أمنة مفعول له لنعاسا وأعترض بأنه يلزم على ظاهره تقديم معمول المصدر عليه وإن ألتزم تقدير فعل أي نعستم أمنة ورد أنه ليس للفعل موقع حسن وقيل : إنه مفعول له لأنزل .
وأعترض بأنه فاسد لإختلاف شرطه وهو إتحاد الفاعل إذ فاعل أنزل هو الله تعالى وفاعل الأمنة هو المنزل عليهم ورد بأن الأمنة كما يكون مصدرا لمن وقع به الأمن يكون مصدرا لمن أوقعه والمراد هنا الثاني كأنه قيل : أنزل عليكم النعاس ليؤمنكم به وحينئذ لا شبهة في إتحاد الفاعل وقريء بسكون الميم كأنها لوقوعها في زمن يسير مرة من الأمن فلا ينافي كون المقصود مطلق الأمن وتقديم الظرفين على المفعول الصريح للإعتناء بشأن المقدم والتشويق إلى المؤخر وتخصيص الخوف من بين فنون الغم بالإزالة لأنه المهم عندهم في ذلك المقام فقد أخرج إبن جرير عن السدي أن المشركين أنصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين فواعدوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بدرا من قابل فقال لهم : نعم فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة فبعث رسول الله رجلا فقال : أنظر فإن رأيتهم قد قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم فإن القوم ذاهبون وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم فإن القوم ينزلون المدينة فأتقوا الله تعالى وأصبروا ووطنهم على القتال فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله فناموا وبقى أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم فذلك قوله تعالى : ثم أنزل عليكم إلخ وعن إبن عباس في الآية قال : آمنهم الله تعالى يومئذ بنعاس غشاهم وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام .
وأخرج خلق كثير عن أنس أن أبا طلحة قال غشينا النعاس يوم أحد ونحن في مصافنا وكنت ممن غشيه النعاس يومئذ فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه وفي رواية أخرى عنه أنه قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت انظر وما منهم من أحد إلا وهو يميد تحت حجفتهأي ترسهمن النعاس وعن الزبير بن العوام مثله قيل : وهذه عادة الله تعالى مع المؤمنين جعل النعاس في الحرب علامة للظفر وقد وقع كذلك لعلي كرم الله تعالى وجهه في صفين وهو من الواردات الرحمانية والسكينة الآلهية يغشى طائفة منكم قال إبن عباس : هم المهاجرون