أشار إليه رسول الله E أن أنصت لأن ذلك كان آخر الأمر حيث أبعد المنهزمون والجملة في موضع الحال فأثابكم عطف على صرفكم والضمير المستتر عائد على الله تعالى والتعبير بالإثابة من باب التهكم على حد قوله .
تحية بينهم ضرب وجيع .
أو أنها مجاز عن المجازاة أي فجازاكم الله تعالى بما عصيتم غما بغم أي كربا بكرب والأكثرون على أنه لا فرق بين الغم والحزن والباء إما للمصاحبة والظرف مستقر أي جازاكم غما متصلا بغم والغم الأول ما حصل لهم من القتل والجرح وغلبة المشركين عليهم والغم الثاني ما حصل لهم من الأرجاف بقتل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفوت الغنيمة وإلى هدا ذهب قتادة والربيع .
وقيل : الغم الثاني إشراف أبي سفيان وأصحابه عليهم وهم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الصخرة وحكى ذلك عن السدي وقيل : المراد مجرد التكثير أي جازاكم بغموم كثيرة متصل بعضها ببعض وإما للسببية والظرف متعلق بأثابكم والغم الأول للصحابة رضي الله تعالى عنهم بالقتل نحوه والغم الثاني للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بمخالفة أمره أي أثابكم غما بسبب غم أذقتموه رسول الله بعصيانكم له ومخالفتكم أمره وقال الحسن بن علي المغربي : الغم الأول للمشركين بما رأوا من قوة المسلمين على طلبهم وخروجهم إلى حمراء الأسد والغم الثاني للمؤمنين بما نيل منهم أي فجازاكم بغم أعدائكم المشركين بسبب غم أذاقوه إياكم وقيل : الباء على هذا للبدل وكلا القولين بعيد والعطف عليه غير ظاهر وأبعد من ذلك ما روى عن الحسن أن الغم الأول للمؤمنين بما أصابهم يوم أحد والغم الثاني للمشركين بما نالهم يوم بدر والمعنى فجازاكم غما يوم أحد بالقتل والجرح بسبب غم أذقتموه المشركين يوم بدر كذلك وأعترض عليه بأن ما لحق المشركين يوم بدر من جهة المسلمين إنما يوجب المجازاة بالكرامة دون الغم وقيل الضمير المستكن في أثابكم للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وأثابكم بمعنى آساكم أي جعلكم أسوة له متساويين في الحزن فأغتم صلى الله تعالى عليه وسلم بما نزل عليكم كما أغتممتم بما نزل عليه ولم يثربكم على عصيانكم تسلية لكم وتنفيسا عنكم وأعترض عليه بأنه خلاف الظاهر للزوم التفكيك على تقدير أن يكون العطف على صرفكم وعدم ظهور الترتب إلا بتكلف إن كان العطف على يدعوكم نعم التعليل عليه بقوله تعالى : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ظاهر إذ المعنى آساكم بذلك ليكلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر ولا ما أصابكم من الشدائد وكذا على ما ذهب إليه المغربي وأما على الأوجه الأخر فالمعنى لتتمرنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزنوا على نفع ما فات أوضر آت وإنما أحتيج إلى هذا التأويل لأن المجازاة بالغم إنما تكون سببا للحزن لا لعدمه .
وقيل : لا زائدة والمعنى لكي تأسفوا على ما فاتكم من الظفر والغنيمة وعلى ما أصابكم من الجراح والهزيمة عقوبة لكم فالتعليل حينئذ ظاهر ولا يخفى أن تأكيد لا وتكريرها يبعد القول بزيادتها وقيل : التعليل على ظاهره و لا ليست زائدة والكلام متعلق بقوله تعالى : ولقد عفا عنكم أي ولقد عفا الله تعالى عنكم لئلا تحزنوا إلخ فإن عفو الله تعالى يذهب كل حزن ولا يخفى ما فيه وربما يقال : إن أمر التعليل ظاهر أيضا على ما حكى عن السدي من غير حاجة إلى التأويل ولا القلو بزيادةلاويوضح ذلك ما أخرجه إبن جرير عن مجاهد قال : أصاب الناس غم وحزن على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا فلما أجتمعوا في الشعب وقف أبو سفيان وأصحابه