ذلك الجهاد أحد أسبابه موت النفس عن صفاتها ويحتمل أن يقال : إن الموقن إذا لم يكن يقينه ملكه تمنى أمورا وأدعى أحوالا حتى إذا أمتحن ظهر منه ما يخالف دعواه وينافي تمنيه ومن هنا قيل : وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا ومتى رسخ ذلك اليقين وتمكن وصار ملكة ومقاما ولم يبق حالا لم يختلف الأمر عليه عند الإمتحان والآية تشير إلى توبيخ المنهزمين بأن يقينهم كان حالا ولم يكن مقاما وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أي إنه بشر كسائر إخوانه من المرسلين فكما خلوا من قبله سيخلو هو من بعدهم أفئن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ورجعتم القهقري والإشارة في ذلك إلى أنه تعالى عاتب من تزلزل لذهاب الواسطة العظمى عن البين وهو مناف لمشاهدة الحق ومعاينته ولهذا قال الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله تعالى فإن الله تعالى حي لا يموت ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا لفنائه الذاتي وسيجزي الله بالإيمان الحقيقي الشاكرين بالإيمان التقليدي بأداء حقوقه من الإئتمار بأوامر الشرع والإنتهاء عن نواهيه وما كان لنفس أن تموت هذا الموت المعلوم أو الموت عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية إلا بإذن الله ومشيئته أو جذبه بإشراق نوره ومن يرد بمقتضى إستعداده ثواب الدنيا جزاءا لعمله نؤته منها حسبما تقتضيه الحكمة ومن يرد ثواب الآخرة جزاءا لعمله نؤته منها وسنجزي الشاكرين ولعلهم الذين لم يريدوا الثوابين ولم يكن لهم غرض سوى العبودية وأبهم جزاءهم للإشارة إلى أنه أمر وراء العبارةولعله تجلى الحق لهموهذا غاية متمني المحبين ونهاية مطلب السالكين نسأل الله تعالى رضاه وتوفيقه وكأين كلام مبتدأ سيق توبيخا للمنهزمين أيضا حيث لم يستنوا بسنن الربانيين المجاهدين مع الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أنهم أولى بذلك حيث كانوا خير أمة أخرجت للناس .
وقد أختلف في هذه الكلمة فقيل : إنها بسيطة وضعت كذلك إبتداءا والنون أصلية وإليه ذهب إبن حيان وغيره وعليه فالأمر ظاهر موافق للرسم وقيل وهو المشهور : إنها مركبة منأيالمنونة وكاف التشبيه وأختلف فيأيهذه فقيل : هي أي التي في قولهم : أي الرجال وقال إبن جني : إنها مصدر أوى يأوى إذا أنضم وأجتمع وأصله أوى فأجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت وأدغمت مثلطي وشيوحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير المفهوم من كم كما حدث في كذا بعد التركيب معنى آخرفكم وكأينبمعنى واحد قالوا : وتشاركها في خمسة أمور : الإبهام والإفتقار إلى التمييز والبناء ولزوم التصدير وإفاده التكثير وهو الغالب والإستفهام وهو نادر ولم يثبته إلا إبن قتيبة وإبن عصفور وإبن مالك وأستدل عليه بقول أبي بن كعب لإبن مسعود رضي الله تعالى عنهما : كائن تقرأ سورة الأحزاب آية فقال : ثلاثا وسبعين وتخالفها في خمسة أمور أيضا أحدها أنها مركبة في المشهور وكم بسيطة فيه خلافا لمن زعم أنها مركبة من الكاف وما الإستفهامية ثم حذفت ألفها لدخول الجار وسكنت للتخفيف لثقل الكلمة بالتركيب والثاني أن مميزها مجرور بمن غالبا حتى زعم إبن عصفور لزوم ذلك ويرده نص سيبويه على عدم اللزوم ومن ذلك قوله : أطرد اليأس بالرجاء فكائن ألما حم يسره بعد عسر والثالث أنها لا تقع إستفهامية عند الجمهور والرابع أنها لا تقع مجرورة خلافا لإبن قتيبة وإبن عصفور