وسبب الكظم أنهم يرون الجناية عليهم فعل الله تعالى وليس للخلق مدخل فيها والعافين عن الناس إما لأنهم في مقام توحيد الأفعال أو لأنهم في مقام توحيد الصفات والله يحب المحسنين حسب مراتبهم في الإحسان والذين إذا فعلوا فاحشة أي كبيرة من الكبائر وهي رؤية أفعالهم المحرمة عليهم تحريم رؤية الأجنبيات بشهوة أو ظلموا أنفسهم بنقصهم حقوقها والتثبط عن تكميلها ذكروا الله أي تذكروا عظمته وعلموا أنه لا فاعل في الحقيقة سواه فأستغفروا لذنوبهم أي طلبوا ستر أفعالهم عنهم بالتبري عن الحول والقوة إلا بالله ومن يغفر الذنوب وهي رؤية الأفعال .
أو النظر إلى سائر الأغيار إلا الله وهو الملك العظيم الذي لا يتعاطفه شيء ولم يصروا على ما فعلوا في غفلتهم ونقص حق نفوسهم وهم يعلمون حقيقة الأمر وأن لا فعل لغيره أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وهو ستره لوجودهم بوجوده وترقيهم من مقام توحيد الأفعال إلى ما فوقه وجنات أي أشياء خفية وهي جنات الغيب وبساتين المشاهدة والمداناة التي هي عيون صفات الذات تجري من تحتها الأنهار أي تجري منها أنهار الأوصاف الأزلية خالدين فيها بلا مكث ولا قطع ولا خطر الزمان ولا حجب المكان ولا تغير ونعم أجر العاملين ومنهم الواقفون بشرط الوفاء في العشق على الحضرة القديمة بلا نقض للعهود ولا سهو في الشهود قد خلت من قبلكم سنن بطشات ووقائع في الذين كذبوا الأنبياء في دعائهم إلى التوحيد فسيروا بأفكاركم في الأرض فأنظروا وتأملوا في آثارها لتعلموا كيف كان عاقبة المكذبين أي آخر أمرهم ونهايته التي أستدعاها التكذيب ويحتمل أن يكون هذا أمرا للنفوس بأن تنظر إلى آثار القوى النفسانية التي في أرض الطبيعة لتعلم ماذا عراها وكيف إنتهى حالها فلعلها ترقى بسبب ذلك عن حضيض اللحوق بها هذا أي كلام الله تعالى بيان للناس يبين لهم حقائق أمور الكونين وهدى وموعظة يتوصل به إلى الحضرة الآلهية للمتقين وهم أهل الله تعالى وخاصته .
وأختلف الحال لإختلاف إستعداد المستمعين للكلام إذ منهم قوم يسمعونه بأسماع العقول ومنهم قوم يسمعونه بأسماع الأسرار وحظ الأولين منه الإمتثال والإعتبار وحظ الآخرين مع ذلك الكشف وملاحظة الأنوار وقد تجلى الحق فيه لخواص عباده ومقربي أهل أصطفائه فشاهدوا أنوارا تجلي وصفة قديمة وراء عالم الحروف تتلى ولا تهنوا أي لا تضعفوا في الجهاد ولا تحزنوا على ما فاتكم من الفتح ونالكم من قتل الإخوان وأنتم الأعلون في الرتبة إن كنتم مؤمنين أي موحدين حيث أن الموحد يرى الكل من مولاه فأقل درجاته الصبر إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ولم يبالوا مع أنهم دونكم وتلك الأيام أي الوقائع نداولها بين الناس فيوم لطائفة وآخر لأخرى وليعلم الله الذين آمنوا أي ليظهر علمه التفصيلي التابع لوقوع المعلوم ويتخذ منكم شهداء وهم الذين يشهدون الحق فيذهلون عن أنفسهم والله لا يحب الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم وأضاعوا حقها ولم يكملوا نشأتها وليمحص الله الذين آمنوا أي ليخلصهم من الذنوب والغواشي التي تبعدهم من الله تعالى بالعقوبة والبلية ويمحق أي يهلك الكافرين بنار أنانيتهم أم حسبتم أن تدخلوا الجنة أي تلجوا عالم القدس ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين أي ولم يظهر منكم مجاهدات تورث المشاهدات وصبر على تزكية النفوس وتصفية القلوب على وفق الشريعة وقانون الطريقة ليتجلى للأرواح أنوار الحقيقة ولقد كنتم تمنون الموت أي موت النفوس عن صفاتها من قبل أن تلقوه بالمجاهدات والرياضات فقد رأيتموه برؤية أسبابه وهي الحرب مع أعداء الله تعالى وأنتم تنظرون أي تعلمون أن