وهذه الروايات كلها متضافرة على أن الآية نزلت في أحد والمعول عليه منها أنها بسبب المشركين .
وعن مقاتل أنها نزلت في أهل بئر معونة وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل أربعين وقيل : سبعين رجلا من قراء أصحابه وأمر عليهم المنذر بن عمرو إلى بئر معونة على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن والعلم فأستصرخ عليهم عدو الله عامر بن الطفيل قبائل من سليم من عصية ورعل وذكوان فأحاطوا بهم في رحالهم فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم إلا كعب بن زيد أخابني النجار فإنهم تركوه وبه رمق فلما علم بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجد وجدا شديدا وقنت عليهم شهرا يلعنهم فنزلت هذه الآية فترك ذلك والمعنى ليس لك من أمر هؤلاء شيء وإن قل أو يتوب عليهم أو يعذبهم عطف إما على الأمر أو على شيء بإضمار أن أي ليس لك من أمرهم شيء أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم وفرقوا بين الوجهين بأنه على الأول سلب ما يتبع التوبة والتعذيب منه صلى الله تعالى عليه وسلم بالكلية من القبول والرد والخلاص من العذاب والمنع من النجاة .
وعلى الثاني سلب نفس التوبة والتعذيب منه E يعني لا يقدر أن يجبرهم على التوبة ولا يمنعهم عنها ولا يقدر أن يعذبهم ولا أن يعفو عنهم فإن الأمور كلها بيد الله تعالى وعلى التقديرين هو من عطف الخاص على العامكما قال العلامة الثانيلكن في مجيء مثل هذا العطف بكلمة أو نظر وتعقبه بعضهم بأن هذا إذا كان الأمر بمعنى الشأنولك أن تجعله بمعنى التكليف والإيجاب أي ليس ما تأمرهم به من عندك وليس الأمر بيدك ولا التوبة ولا التعذيب فليس هناك عطف الخاص على العام وفيه أن الحمل على التكليف تكلف والحمل على الشأن أرفع شأنا .
ونقل عن الفراء وإبن الأنباري أن أو بمعنى إلا أن والمعنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله تعالى عليهم بالإسلام فتفرح أو يعذبهم فتشتفي بهم وأياما كان فالجملة كلام مستأنف سيق لبيان بعض الأمور المتعلقة بغزوة أحد أو ما يشبهها إثر بيان ما يتعلق بغزوة بدر لما بينهما من التناسب من حيث أن كلا منهما مبني على إختصاص الأمر كله بالله تعالى ومبني على سلبه عمن سواه وقيل : إن كل ما في هذه الآيات في غزوة أحد على ما أشرنا إليه وقيل : إن قوله تعالى : أو يتوب إلخ عطف على ينقلبوا أي يكون ثمرة خزيهم إنقلابهم خائبين أو التوب عليهم أو تعذيبهم أو عطف على يكبتهم و ليس لك من الأمر شيء إعتراض وسط بين المعطوف عليه المتعلق بالعاجل والمعطوف المتعلق لتحقيق أن لا تأثير للمنصور إثر بيان أن لا تأثير للناصرين وتخصيص النفي برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على طريق تلوين الخطاب للدلالة على الإنتفاء من غيره من باب أولى وإنما خص الإعتراف بموقعه لأن ما قبله من القطع والكبت من مظان أن يكون فيه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولسائر مباشري القتال مدخل في الجملة والمعنى إن مالك أمرهم على الإطلاق وهو الله تعالى نصركم عليهم ليهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شيء إن أنت إلا عبد مأمور بإنذارهم وجهادهم .
والمراد بتعذيبهم التعذيب الشديد الأخروى المخصوص بأشد الكفرة كفرا وإلانمطلق التعذيب الأخروى متحقق في الفريقين الأولين وحمله على التعذيب الدنيوي بالأسر وإستيلاء المؤمنين عليهم خلاف المتبادر من التعذيب عند الإطلاق وكذا لا يلائم ظاهر قوله سبحانه : فإنهم ظالمون فإنه في مقام التعليل لهذا التعذيب