بمعنى أوله اللهم إلا أن يقال : إنه وإن لم يكن نصا لكنه ظاهر قريب من النص لأن كون الوجه بمعنى الجهة المذكورة وإن جاء في اللغة إلا أن كون الفور كذلك في حيز المنع وإحتمال كونه من وجه الدهر بمعنى أوله يرجع إلى ما قالوا فتدبر .
وأعلم أن هذا الإمداد وقع تدريجا فكان أولا بألف ثم صاروا ألفين ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف لا غير فمعنى يمددكم بخمسة آلاف يمددكم بتمام خمسة آلاف وإليه ذهب الحسن وقال غيره : كانت الملائكة ثمانية آلاف فالمعنى يمددكم بخمسة آلاف أخر مسومين 521 من التسويم وهو إظهار علامة الشيء و المراد معلمين أنفسهم أو خيلهم وقد أختلفت الروايات في ذلك فعن عبدالله بن الزبير أن الزبير كانت عليه عمامة صفراء معتجرا بها فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر وأخرج إبن إسحاق والطبراني عن إبن عباس أنه قال : كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمر وفي رواية أخرى عنه لكن بسند ضعيف أنها كانت يوم بدر بعمائم سود ويوم أحد بعمائم حمر .
وأخرج إبن أبي شيبة وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : كانت سيماء الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها وكانوا كما قال الربيع على خيل بلق وأخرج إبن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم كانوا مسومين بالعهن الأحمر وأخرج إبن جرير وغيره عن مجاهد أنه قال : كانوا معلمين مجزوزة أذناب خيولهم ونواصيها فيها الصوف والعهن وأنت تعلم أنه لا مانع من أن يكونوا معلمين أنفسهم وخيولهم أيضا وهذا على قراءة إبن كثير : وأبي عمرو وعاصم مسومين بكسر الواو وأما على قراءة الباقين مسومين بفتح الواو على أنه أسم مفعول فقيل : المراد به معلمين من جهة الله تعالى وقيل : مرسلين مطلقين ومنه قولهم : ناقة سائمة أي مرسلة في المرعى وإليه ذهب السدي والمتبادر على هذه القراءة أن الإسامة لهم وأما أنها كانت لخيلهم فغير ظاهر وما جعله الله أي الإمداد المفهوم من الفعل المقدر المدلول عليه بقوة الكلام كأنه قيل : فأمدكم الله تعالى بما ذكر وما جعل الله تعالى ذلك الإمداد إلا بشرى لكم وقيل : الضمير للوعد بالإمداد وقيل : للتسويم أو للتنزيل أو للنصر المفهوم من نصركم السابق ومتعلق البشارة غيره وقيل : للإمداد المدلول عليه بأحد الفعلين والكل ليس بشيء كما لا يخفى والبشرى إما مفعول له وجعلمتعدية لواحد أو مفعول لها إن جعلت متعدية لإثنين وعلى الأول الإستثناء مفرغ من أعم العلل أي وما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة لشيء من الأشياء إلا البشارة لكم بأنكم تنصرون وعلى الثاني مفرغ من أعم المفاعيل أي وما جعله الله تعالى شيئا من الأشياء إلا بشرى لكم .
والجملة إبتداء كلام غير داخل في حيز القول بل مسوق من جنابه تعالى لبيان أن الأسباب الظاهرة بمعزل عن التأثير بدون إذنه سبحانه وتعالى فإن حقيقة النصر مختص به عز أسمه ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا منه عند فقدان أسبابه وأماراته وهي معطوفة على فعل مقدر كما أشرنا إليه ووجه الخطاب نحو المؤمنين تشريفا لهم وإيذانا بأنهم هم المحتاجون لما ذكر وأما رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فغني عنه بما من به عليه من التأييد الروحاني والعلم الرباني ولتطمئن قلوبكم به أي ولتسكن قلوبكم بالإمداد فلا تخافوا كثرة عدد العدو وقلة عدكم وهذا إما معطوف على بشرى بإعتبار الموضع وهو كالمعطوف عليه علة غائية للجعل إلا أنه نصب