الأول لإجتماع شرائطه ولم ينصب الثاني لفقدانها وقيل : للإشارة أيضا إلى أصالته في العلية وأهميته في نفسه كما في قوله تعالى : لتركبوها وزينة وإما متعلق بمحذوف معطوف على الكلام السابق أي ولتطمئن قلوبكم به فعل ذلك وهو أولى من تقدير بشركم كما فعل أبو البقاء والثاني متعين على الإحتمال الثاني في الأول .
وما النصر أي على الإطلاق فيندرج فيه النصر المعهود دخولا أوليا إلا من عند الله المودع في الأسباب بمقتضى الحكمة قوة لا تأثر إلا به أو وما النصر المعهود إلا من عنده سبحانه وتعالى لا من الملائكة لأن قصارى أمرهم ما ذكر من البشارة وتقوية القلوب ولم يقاتلوا أو لأن قصارى أمرهم قاتلوا بتمكين الله تعالى لهم ولم يكن لهم فعل إستقلالا ولو شاء الله تعالى ما فعلوا على أن مجرد قتالهم لا يستدعي النصر بل لا بد من إنضمام ضعف المقابلين المقاتلين ولو شاء الله تعالى لسلطهم عليهم فحيث أضعف وقوى ومكن وما مكن وبه حصل النصر كان ذلك منه سبحانه وتعالى والآية على هذا لا تكون دليلا لمن زعم أن المسببات عند الأسباب لابها وقد مر تحقيقه فتذكر وكذا لا دليل فيها على وقوع قتالهم ولا على عدمه لإحتمالها الأمرين وبكل قال بعض .
والمختار ما روى عن مجاهد أن الملائكة لم يقاتلوا في غزواته صلى الله تعالى عليه وسلم إلا في غزوة بدر وإنما حضروا في بعضها بمقتضى ما علم الله تعالى من المصلحة مثل حضورهم حلق أهل الذكر وربما أعانوا بغير القتال كما صنعوا في غزوة أحد على قول فعن إبن إسحاق أن سعد بن مالك كان يرمي في غزوة أحد وفتى شاب كان ينبل له كلما فنى النبل أتاه به وقال له : أرم أبا إسحاق فلما أنجلت المعركة سأل عن ذلك الرجل فلم يعرف وأنكر أبو بكر الأصم الإمداد بالملائكة وقال : إن الملك الواحد يكفي في إهلاك سائر أهل الأرض كما فعل جبريل عليه السلام بمدائن قوم لوط فإذا حضر هو مأمورا بالقتال فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار وأيضا أي فائدة في إرسال سائر الملائكة معه وهو القوي الأمين وأيضا إن أكابر الكفار الموجودين في غزوة القتال قاتل كل منهم من الصحابة معلوم ولم يعلم أن أحدا من الملائكة قتل أحدا منهم وأيضا لو قاتلوا فإما أن يكونوا بحيث يراهم الناس أولا وعلى الأول يكون المشاهد من عسكر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة بدر ألوفا عديدة ولم يقل بذلك أحد وهو أيضا خلاف قوله تعالى : ويقللكم في أعينهم ولو كانوا في غير صورة إبن آدم لزم وقوع الرعب الشديد في قلوب الخلق ولم ينقل ذلك ولو كان لنقل البتة وعلى الثاني يلزم حز الرؤس وتمزيق البطون ونحو ذلك من الكفار من غير مشاهدة فاعل لهذه الأفعال ومثل هذا يكون من أعظم المعجزات وقد وقع بين جمعين سالم ومكسر فكان يجب أن يتواتر ويشتهر لدى الموافق والمخالف فحيث أنه لم يشتهر دل على أنه لم يكن وأيضا أنهم لو كانوا أجساما كثيفة وجب أن يراهم الكل وإن كانوا أجساما لطيفة هوائية تعذر ثبوتهم على الخيل إنتهى .
ولا يخفى أن هذه الشبه لا يليق إيرادها بقوانين الشريعة ولا بمن يعترف بأنه تعالى قادر على ما يشاء فعال لما يريد فما كان يليق بالأصم إلا أن يكون أخرس عن ذلك إذ نص القرآن ناطق بالإمداد ووروده في الأخبار قريب من المتواتر فكأن الأصم أصم عن سماعه أو أعمى عن رؤية رباعه وقد روى عبد بن عمير قال : لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا ويقولون لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر والتحقيق في هذا المقام كما قال بعض المحققين : إن التكليف ينافي الإلجاء وأنه تعالى شأنه وإن كان قادرا على إهلاك جميع الكفار في لحظة واحدة بملك واحد بل بأدنى من ذلك بل بلا سبب وكذا هو قادر