من فورهم هذا أصل الفور مصدر من فارت القدر إذا أشتد غليانها ومنه أن شدة الحر من فور جهنم ويطلق عل ىالغضب لأنه يشبه فور القدر وعلى أول كل شيء ثم إنه أستعير للسرعة ثم أطلق على الحال التي لابطء فيها ولا تراخي والمعنى ويأتوكم في الحال ووصف بهذا لتأكيد السرعة بزيادة التعيين والتقريب ونظم إتيانهم بسرعة في سلك شرطي الإمداد ومداريه مع تحقق الإمداد لا محالة أسرعوا أو أبطأوا إيذانا بتحقق سرعة الإمداد لا لتحقيق أصله أو البيان تحققه على أي حال فرض على أبلغ وجه وآكده حيث علقه بأبعد التقادير ليعلم تحققه على سائرها بالأولى فإن هجوم الأعداء بسرعة من مظان عدم لحوق المدد عادة فمتى علق به تحقق الإمداد مع منافاته له أفاد تحققه لا محالة مع ما هو غير مناف له كذا قيل وربما يفهم منه أن الإمداد المرتب على الشرط في قوله تعالى يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة وقع لهم وفي ذلك ترديد وتردد لأن هذا الكلام إن كان في غزوة أحد فلا شبهة في عدم وقوع ذلك ولا بملك واحد لعدم وقوع الشرط ولذا وقعت الهزيمة وإن كان في غزوة بدر كما هو المعتمد فقد وقع الإختلاف في أنهم أمدوا بهذه الخمسة الآلاف أو لا فذهب الشعبي إلى أنهم أمدوا بغيرها ولم يمدوا بها بناءا على تعليق الإمداد بها بمجموع الأمور الثلاثة وهي الصبر والتقوى وإيتاء أصحاب كرز وقد فقد الأمر الثالث كما نقلناه أولا فلم يوجد المجموع لإنعدامه بإنعدام بعض أجزائه فلم يوجد الإمداد المذكور كما صرح به الشعبي نعم ذهب جمع إلى خلافه ولعله مبني صاحب القيل لكن يبقى أن تفسير الفور بما فسر به غير متعين بل لم يوجد صريحا في كلام السلف والذي ذهب إليه عكرمة ومجاهد وأبو صالح مولى أم هانيء أنه بمعنى الغضب فحينئذ تكون من للسببية أي يأتوكم بسبب غضبهم عليكم والإشارة إما لتعظيم ذلك الغضب من حيث أنه شديد ومتمكن في القلوب وإما لتحقيره من حيث أنه ليس على الوجه اللأئق والطريق المحمود فإنه إنما كان على مخالفة المسلمين لهم في الدين وتسفيه آرائهم وذم آلهتهم أو على ما أوقعوا فيهم وحطموا رؤس رؤسائهم يوم بدر وإلى الثاني ذهب عكرمةوهو مبني على أن هذا القول وقع في أحد .
وذهب إبن عباس فيما أخرجه عنه إبن جرير إلى تفسيره بالسفر أي وأتوكم من سفرهم هذا قيل : وهو مبني أيضا على ما بني عليه سابقه لأن الكفار في غزوة أحد ندموا بعد إنصرافهم حيث لم يعبروا على المدينة وهموا بالرجوع فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يأمر أصحابه بالتهيؤ إليهم ثم قال : إن صبرتم على الجهاد وأتقيتم وعادوا إليكم من سفرهم هذا أمدكم الله بخمسة آلاف من الملائكة فأخذوا في الجهاد وخرجوا يتبعون الكفار على ما كان بهم من الجراح فأخبر المشركين من مر برسول الله أنه خرج يتبعكم فخاف المشركون إن رجعوا أن تكون الغلبة للمسلمين وأن يكون قد ألتأم إليهم من كان تأخر عنهم وأنضم إليهم غيرهم فدسوا نعيما الأشجعي حتى يصدهم بتعظيم أمر قريش وأسرعوا بالذهاب إلى مكة وكفى الله تعالى المسلمين أمرهم والقصة معروفة ثم إن تفسير الفور بالسفر مما لم نظفر به فيما بين أيدينا من الكتب اللغوية فلعل الفور بمعنى الحال التي لابطء فيها وهذا التفسير بيان لحاصل المعنى وذهب الحسن والربيع والسىي وقتادة وغيرهم أن من فورهم بمعنى وجههم وليس بنص فيما ذهب إليه متأخرو المفسرين أصحاب القيل لأنه يحتمل أن يكون المراد من الوجه الجهة التي يقصدها المسافر ويحتمل أن يكون من وجه الدهر