ومن يعتصم بالله إما أن يقدر مضاف أي ومن يعتصم بدين الله والإعتصام بمعنى التمسك إستعارة تبعية وإما أن لا يقدر فيجعل الإعتصام بالله إستعارة للإلتجاء إليه سبحانه قال الطيبي : وعلى الأول تكون الجملة معطوفة على وأنتم تتلى عليكم أيكيف تكفرونأي والحال أن القرآن يتلى عليكم وأنتم عالمون بحال المعتصم به جل شأنه وعلى الثاني تكون تذييلا لقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا إلخ لأن مضمونه أنكم إنما تطيعونهم لما تخافون من شرورهم ومكايدهم فلا تخافوهم وألتجئوا إلى الله تعالى في دفع شرورهم ولا تطيعوهم أما علمتم أن من ألتجأ إلى الله تعالى كفاه شر ما يخافه فعلى الأول جيء بهذه الجملة لإنكار الكفر مع هذا الصارف القوى المفهوم من قوله تعالى : وأنتم تتلى عليكم إلخ وعلى الثاني للحث على الإلتجاء ويحتمل على الأول التذييل وعل ىالثاني الحال أيضا فأفهم و من شرطية وقوله تعالى : فقد هدى إلى صراط مستقيم 101 جواب الشرط ولكونه ماضيا مع قد أفاد الكلام تحقق الهدى حتى كأنه قد حصل قيل : والتنوين للتفخيم ووصف الصراط بالإستقامة للتصريح بالرد على الذين يبغون له عوجا والصراط المستقيم وإن كان هو الدين الحق في الحقيقة والإهتداء إليه هو الإعتصام به بعينه لكن لما أختلف الإعتباران وكان العنوان الأخير مما يتنافس فيه المتنافسون أبرز في معرض الجواب للحث والترغيب على طريقة قوله تعالى : فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز إنتهى .
وأنت تعلم أن هذا على ما فيه إنما يحتاج إليه على تقدير أن يكون المراد من الإعتصام بالله الإيمان به سبحانه والتمسك بدينه كما قاله إبن جريج وأ إذا كان المراد منه الثقة بالله تعالى والتوكل عليه والإلتجاء إليه كما روى عن أبي العالية فيبعد الإحتياج وعلى هذا يكون المراد من الإهتداء إلى الصراط المستقيم النجاة والظفر بالمخرج فقد أخرج الحكيم الترمذي عن الزهري قال : أوحى الله تعالى داؤد عليه السلام ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي وتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجا وما من عبد يعتصم بمخلوق من دوني إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأسخت الأرض من تخحت قدميه .
ياأيها الذين آمنوا كرر الخطاب بهذا العنوان تشريفا لهم ولا يخفى ما في تكراره من اللطف بعد تكرار خطاب الذين أوتوا الكتاب أتقوا الله حق تقاته أي حق تقواه روى غير واحد عن إبن مسعود موقوفا ومرفوعا هو أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر وأدعى كثير نسخ هذه الآية وروى ذلك عن إبن مسعود .
وأخرج إبن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت أشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفا على المسلمين فأتقوا الله ما أستطعتم فنسخت الآية الأولى ومثله عن أنس وقتادة وإحدى الروايتين عن إبن عباس وروى إبن جرير من بعض الطرق عنه أنه قال : لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم ويقوموا لله سبحانه بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم ومن قال بالنسخ جنح إلى أن المراد من حق تقاته ما يحق له ويليق بجلاله وعظمته وذلك غير ممكن وما قدروا الله حق قدره ومن قال بعدم النسخ جنح إلى أن حق من حق الشيء بمعنى وجب وثبت والإضافة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها وأن الأصل أتقوا الله إتقاءا حقا أي