ما في الانفس ظاهر لمن أحاط خبرا بما قدمناه في الآيات الأولى والله تعالى الموفق .
قل يا أهل الكتب نزلت في وفد نصارى نجران قاله السدى والحسن وابن زيد ومحمد بن جعفر بن الزبير وروى عن قتادة والربيع وابن جريج أنها نزلت في يهود المدينة وذهب أبو علي الجبائي أنها نزلت في الفريقين من أهل الكتاب واستظهره بعض المحققين لعمومه تعالوا أي هلموا إلى كلمة أي كلام كما قال الزجاج واطلاقها على ذلك في كلامهم من باب المجاز المرسل وعلاقته تجوز إطلاقها على المركب الناقص إلا أنه لم يوجد بالاستقراء وقيل : إنه من باب الاستعارة وليس بالبعيد وقرئ كلمة بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل سواء أي عدل قاله ابن عباس والربيع وقتادة وقيل : إن سواء مصدر بمعنى مستوية أي لا يختلف فيها التوراة والانجيل والقرآن أولا اختلاف فيها بكل الشرائع وهو في قراءظة الجمهور مجرور على أنه نعت لكلمة وقري بنصبه على المصدر .
بيننا وبينكم متعلق بسواء ألا نعبد أي نحن وأنتم إلا الله بأن نوحده بالعبادة ونخلص فيها وفي موضع أن وما بعدها وجهان كما قال أبو الابقاء الأول الجر على البدلية من كلمة والثاني الرفع على الخبرية لمحذوف أي هي أن لا نبعد إلا الله ولو لا عمل أن لجاز أن تكون تفسيرية وقيل : إن الكلام تم على سواء ثم استؤنف فقيل بيننا وبينكم أن لانعبد فالظرف خبر مقدم وأن وما بعدها مبتدأ مؤخر ولا نشرك به شيئا من الاشياء على معنى لا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلا لأن يعبد وبهذا المعنى يكون الكلام تأسيسا والظاهر أنه تأكيد لما قبله إلا أن التأسيس أكثر فائدة وقيل : المراد لانشرك به شيئا من الشرك وهو بعيد جدا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله أي لا يطيع بعضنا بعضا في معضية الله تعالى قاله ابن جريج ويؤيده ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث عدي بن حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قال : ما كنا نعبدهم يا رسول الله فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : أما كانوا يحللون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال : نعم فقال E : هو ذاك قيل : وإلى هذا أشار سبحانه بقوله عز من قائل : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وعن عكرمة أن هذا الاتخاذ هو سجود بعضهم لبعض وقيل : هو مثل اعتقاد اليهود في عزير أنه ابن الله واعتقاد النصارى في المسيح نحو ذلك وضمير نا على كل تقدير للناس لا للممكن وإن أمكن حتى يشمل الأصنام لأن أهل الكتاب لم يعبدوها .
وفي التعبير بالبعض نكتة وهي الإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكونون اربابا ! فان قلت إن المخاطبين لم يتخذوا البعض أربابا من دون الله بل اتخدوهم آلهة معه سبحانه أجيب بأنه أريد من دون الله وحده أو يقال : بأنه أتى بذلك للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلا قاله بعضهم وللنصارى سود الله تعالى حظهنم الحظ الأوفر من هذه المنهيات وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان فلاقهم وفصيل كفرهم على أتم وجه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .
46 .
- المراد فان تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبو اعنادا فقولوا