لأنها مرتبة على قواعد معلومة عند أهلها لولاها ما علمت تلك العلوم وليس ذلك كالعلم بالوحي لأنه غير مكتسب بل الله تعالى يختص به من يشاء وكذا العلم بالإلهام فانه لا مادة له إلا الموهبة الالهية والمنحة الازلية على أن بعضهم ذهب إلى أن تلك العلوم لا يحصل بها العلم المقابل للظن بل نهاية ما يحصل الظن الغالب وبينه وبين علم الغيب بون بعيد وسيأتي لهذا تتمة إن شاء الله تعالى إن كنتم مؤمنين فيه مجاز المشارقة أي إن كنتم موفقين للايمان ويحتمل أن يكون المعنى إن كنتم مصدقين وجواب الشرط على التقديرين محذوف أي انتفعتم بذلك ومصدقا لما بين يدي من التوراة عطف إما على المضمر الذي تعلق به قوله تعالى : بآية أي قد جئتكم محتجا أو متلبسا بآية الخ ومصدقا لما الخ وإما على رسولا وفيه معنى النطق مثله وجوز أن يكون منصوبا بفعل دل عليه قد جئتكم أي وجئتكم مصدقا الخ وقوله سبحانه : من التوراة في موضع نصب على الحال من الضمير المستتر في الظرف والعامل فيه للاستقراء أو الظرف نفسه لقيامه مقام الفعل ويجوز أن يكون حالا من ما فيكون العامل فيه مصدقا ومعنى تصديقه عليه السلام للتوراة الإيمان بأن جميع ما فيها حكمة وصواب وقيل : إن تصديقه لها مجيئه رسولا طبق ما بشرت به ولأحل لكم معمول لمقدر بعد الواو أي : وجئتكم لأحل فهو من عطف الجملة على الجملة أو معطوف على بآية من قوله سبحانه : جئتكم بآية لانه في معنى لأظهر لكم آية ولأحل فلا يرد أنه لا يصح عطف المفعول له على المفعول به أو معطوف على مصدقا ويلتزم التأويل بما يجعلها من باب واحد وإن كان الأول حالا والثاني مفعولا له فكأنه قيل : جئتكم لأصدق ولأحل وقيل : لابد من تقدير جئتكم فيها كلها إذ لا يعطف نوع من المعمولات على نوع آخر .
بعض الذي حرم عليكم أي في شريعة موسى عليه السلام .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أنه قال : كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى عليهما السلام وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى عليه السلام لحوم الإبل والثروب فأحلها لهم على لسان عيسى وحرمت عليهم شحوم الإبل فأحلت لهم فيما جاء به عيسى وفي أشياء من السمك وفي أشياء من الطير مما لا صيصية له وفي أشيلء حرمها عليهم وشدد عليهم فيها فجاء عيسى بالتخفيف منه في الانجيل .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله وهذا يدل على أن الانجيل مشتمل على أحكام تغاير ما في التوراة وأن شريعة عيسى نسخت بعض شريعة موسى ولا يخل ذلك بكونه نصدقا للتوراة فان النسح بيان لانتهاء زمان الحكم الاول لا رفع وإبطال كما تقرر وهذا مثل نسخ القرآن بعضه ببعض وذهب بعضهم إلى أن الانجيل لم يخص أحكاما ولا حوى حلالا وحراما ولكنه رموز وأمثال ومواعظ وزواجر وما سوى ذلك من الشرائع والاحكام فمحالة على التوراة وإلى أن عيسى عليه السلام ينسخ شيئا مما في التوراة وكان يسبت ويصلي نحو البيت المقدس ويحرم لحم الخنزير ويقول بالختان إلا أن النصارى غير واذلك بعد رفعه فاتخذوا يوم الاحد بدل يوم السبت لما أنه أول يوم الاسبوع ومبدأ الفيض وصلوا نحو المشرق لما تقدم وحملوا الختان على ختان القلب وقطعه عن العلائق الدنيوية والعوائق عن لبحضرة الالهية وأحلوا لحم الخنزير مع أن مرقس حكى في إنجيله أن المسيح أتلف الخنزير وغرق منه في البحر قطيعا كبيرا وقال لتلامذته : ولا تعطوا القدس الكلاب ولا تلقوا جواهركم قدام الخنازير فقرنها بالكلاب وسبب ذلك زعمهم أن بطرس رأى في