قال : لا ولكن دعوتك باسم الله تعالى الاعظم ثم قال له : مت قال : بشرط أن يعيذني الله تعالى من سكرات الموت فدعا الله تعالى له ففعل وفي بعض الآثار أن إحياءه ياما كان بعد قولهم له عليه السلام إنك تحي من كان قريب العهد من الموت ولعلهم لم يموتوا بل أصابتهم سكتة فأحي لنا سام بن نوح فأحياه وكان بينه وبين موته أكثر من أربعة آلاف سنة فقال للقوم : صدقوه فإنه نبي فآمن به بعضهم وكذبه آخرون فقالوا : هذا سحر فأرنا آية فنبأهم بما يأكلون وما يدخرون وقد ورد أيضا أنه عليه السلام أحيا ابن ملك ليستخلفه في قصة طويلة وأحيا خشفا وشاة وبقرة ولفظ الموتى يعم كل ذلك .
وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ما في الموضعين موصولة أو نكرة موصوفة والعائد محذوف أي تأكلونه وتدخرونه والظرف متعلق بما عنده وليس من باب التنازع والادخار الخبء وأصل تدخرون تذتخرون بذال معجمة فتاء فأبدلت التاء ذالا ثم أبدلت الذال دالا وأدغمت ومن العرب من يقلب التاء دالا ويدغم وقد كان هذا الإخبار بعد النبوة وإحيائه الموتى عليه السلام على ما في بعض الاخبار وقيل : قبل فقد أخرج ابن عساكر عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان عيسى عليه السلام وهو غلام يلعب مع الصبيان يقول لاحدهم : تريد أن أخبرك ما خبأت لك أمك فيقول : نعم فيقول : خبأت لك كذا وكذا فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها : أطعميني ما خبأت لي فتقول : وأي شئ خبأت لك فيقول : كذا وكذا فتقول : من أخبرك ! فيقول : عيسى ابن مريم فقالوا : والله لان تركتم هؤلاء الصبيان مع عيسى ليفسدنهم فجمعوهم في بيت وأغلقوه عليهم فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم حتى سمع ضوضاهم في بيت فسأل عنهم فقال : ما هؤلاء أكان هؤلاء الصبيان قالوا : لا إنما هي قردة وخنازير قال : اللهم اجعلهم قردة وخنازير فكانوا كذلك وذهب بعضهم أن ذلك كان بعد نزول المائدة وأيد بما أخرجه عبدالرزاق وغيره عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه في الآية أنه قال : وأنبئكم بما تأكلون من المائدة وماتدخرون منها وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا فادخروا وخانوا فجعلوا قردة وخنازيد ويمكن أن يقال : إن كل ذلك قد وقع م وعلى سائر التقادير فالمراد الاخبار بخصوصية هذين الامرين كما يشعر به الظاهر وقيل : المراد الاخبار بالمغيبات إلا أنه قد اقتصر على ذكر أمرين منها ولعل وجه تخصيص الإخبار بأحوالهم لتيقنهم بها فلا يبقى لهم شبهة والسر في ذكر هذين الامرين بخصوصهما أن غالب سعى الانسان وصرف ذهنه لتحصيل الأكل الذي به قوامه والادخار الذي يطمئن به أكثر القلوب ويسكن منه غالب النفوس فلبفهم .
وقرئ تدخرون بالذال المعجمة والتخفيف إن في ذلك أي المذكور من الخوارق الأربعة العظيمة وهذا من كلام عيسى عليه السلام حكاه الله تعالى عنه وقيل : هو من كلام الله تعالى سيق للتوبيخ لآية أي جنسها وقرئ لآيات لكم دالة على صحة الرسالة دلالة واضحة حيث لم يكن ذلك بتخلل آلات وتوسط أسباب عادية كما يفعله الاطباء والمنجمون .
ومن هنا يعلم أن علم الجفر وعلم الفلك ونحوهما لما كانت مقرونة بأصول وضوابط لا يقال عنها : إنها علم غيب ابدا إذ علم الغيب شرطه أن يكون مجردا عن المواد والوسائط الكونية وهذه العلوم ليست كذلك