لان هذا الجمع أعم إذ يشمل الرجال والنساء على سبيل التغلب ولمناسبة رءوس الآي ولان الاقتداء بالرجال أفضل إن قلنا : إنها مأمورة بصلاة الجماعة .
وادعى بعضهم أن في التعبير بذلك مدحا ضمنيا لمريم عليها السلام ولم يقيد الامرين الاخيرين بما قيد به الامر الاول اكتفاءا بالتقييد من أول وهلة وقال شيخ الاسلام : إن تجريد الامر بالركنين الاخيرين عما قيد به الاول لما أن المراد تقييد الأمر بالصلاة بذلك وقد فعل حيث قيد به الركن الاول منها ولعل ما ذكرناه أولى لانه مطرد على سائر الأقوال في القنوت وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ واركعي واسجدي في الساجيدين ذلك إشارة إلى ما تقدم ذكره من تلك الاخبار البديعة الشأن المرتقية من الغرابة إلى أعلى مكان وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : من أنبآء الغيب أي من أخبار ما غاب عنك وعن قومك مما لا يعرف إلا بالوحي على ما يشير اليه المقام والجملة مستأنفة لا محل لها من الاعراب وقوله تعالى : نوحيه إليك جملة مستقلة مبينة للاولى و الايحاء إلقاء المعنى إلى الغير على وجه خفي ويكون بمعنى إرسال الملك إلى الانبياء وبمعنى الالهام والضمير في نوحيه عائد إلى ذلك في المشهور واستحسن عوده إلى الغيب لانه حينئذ يشمل ما تقدم من القصص وما لم يتقدم منها بخلاف ما إذا عاد إلى ذلك فانه حينئذ يوهم الاختصاص بما مضى وجوز أن تكون هذه الجملة خبرا عن المبتدأ قبلها و من أنباء الغيب إما متعلق بنوحيه أو حال من مفعول أي نوحيه حال كونه بعض أنباء الغيب وجعله حالا من المبتدأ رأى البعض وجوز ابو البقاء أن يكون التقدير الامر ذلك فيكون ذلك خبرا لمبتدأ محذوف والجار والمجرور حال منه وهو وجه مرذول لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الملك الجليل .
وصيغة الاستقبال عند قوم للايذان بأن الوحي لم ينقطع بعد وما كنت لديهم أي عند المتنازعين فالضمير عائد إلى غير مذكور دل عليه المعنى والمقصود من هذه الجملة تحقيق كون الاخبار بما ذكر عن وحي على سبيل التهكم بمنكريه كأنه قيل : إن رسولنا أخبركم بما لا سبيل إلى معرفته بالعقل مع اعترافكم بأنه لم يسمعه ولم يقرأه في كتاب وتنكرون أنه وحي فلم يبق مع هذا ما يحتاج إلى النفي سوى المشاهدة التي هي أظهر الامور انتقاءا لا ستحالتها المعلومة عند جميع العقلاء ونبه على ثبوت قصة مريم مع أن ما علم بالوحي قصة زكريا عليه السلام أيضا لما أن تلك هي المقصودة بالاخبار أولا وإنما جاءت القصة الأخرى على سبيل الاستطراد ولاندراج بعض قصة زكريا في ذكر من تكفل فما خلت الجملة عن تنبيه على قصته في الجملة وروى عن قتادة أن المقصود من هذه الجملة تعجيب الله سبحانه نبيه E من شدة حرص القوم على كفالة مريم والقيام بأمرها وسيق ذلك تأكيدا لاصطفائها عليها السلام ويبعد هذا الفصل بين المؤكد والمؤكد ومع هذا هو أولى مما قيل : إن المقصود منها التعجيب من تدافعهم لكفالتها لشدة الحال ومزيد الحاجة التي لحقتهم حتى وفق لها خير الكفلاء زكريا عليه السلام بل يكاد يكون هذا غير صحيح دراية رواية وعلى كل تقدير لا يشكل نفي المشاهدة مع ظهور انتقائها عند كل أحد إذ يلقون اقلمهم أي يرمونها ويطرحونها للاقتراع و الاقلام جمع قلم وهي التي كانوا يكتبون