وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : كل ابن آدم يلقي الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا وجوز أن يراد ما هو أصل معناه فانه عليه السلام كان سيد قومه وله أتباع منهم غاية الأمر أن تلك رياسة شرعية والاتيان به إثر قوله تعالى : مصدقا للاشارة إلى أنه نبي كعيسى عليه السلام وليس من أمته كما يفهمه ظاهرا قوله سبحانه : مصدقا بكلمة منه .
وحصورا عطف على ما قبله ومعناه الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك قاله ابن عباس في إحدى الروايات عنه وفي بعضها إنه العنين الذي لا ذكر له يتأتى به النكاح ولا ينزل وروى الحفاظ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن ما معه عليه السلام كان كالأنملة وفي بعض الروايات كالقذاة وفي أخرى كالنواة وفي بعض كهدبة الثوب قيل : والاصح الاول إذ العنة عيب لا يجوز على الأنبياء وبتسليم أنها ليست بعيب فلا أقل أنها ليست بصفة مدح والكلام مخرج مخرج المدح وما أخرجه الحفاظ على تقدير صحته يمكن أن يقال : إنه من باب التمثيل والإشارة إلى عدم انتقاعه عليه السلام بما عنده لعدم ميله للنكاح لما أنه في شغل شاغل عن تلك .
ومن هنا قيل : إن التبتل لنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح استدلالا نحال يحيى عليه السلام ومن ذهب إلى خلافه احتج بما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة رجل جعله الله تعالى ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأة جعلها الله تعالى أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال والذي يضل الاعمى ورجل حصور ولم يجعل الله تعالى حصورا إلا يحيى بن زكريا وفي رواية لعن الله تعالى والملائكة رجلا تحصر بعد يحيى بن زكريا ويجوز أن يراد بالحصور المبالغ في حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع القدرة وقد كان حاله عليه السلام أيضا كذلك أخرج عبدالرزاق عن قتادة موقوفا وابن عساكر عن معاذ بن جبل مرفوعا أنه عليه السلام من في صباه بصبيان يلعبون فدعوه إلى اللعب فقال : ما للعب خلقت ونبيا عطف هلى ما قبله مترتب على ما عدد من الخصال الحميدة من الصالحين 93 أي ناشئا منهم أو معدودا في عدادهم فمن على الأول للابتداء وعلى الثاني للتبعيض قيل : ومعناه على الأول ذو نسب وعلى الثاني معصوم وعلى التقديرين لا يلغو ذكره بعد نبيا وقد يقال : المراد من الصلاح ما فوق الصلاح الذي لا بد في منصب النبوة ألبته من أقاصي مراتبه وعليه مبني دعاء سيلمن عليه السلام وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ولعله أولى مما قبل : قال رب أنى يكون لي غلم استئناف مبني على السؤال كأنه قيل : فماذا قال زكريا عليه السلام حينئذ فقيل : قال رب الخ وخاطب عليه السلام ربه سبحانه ولم يخاطب الملك المنادى طرحا للوسائط مبالغة في التضرع وجدا في التبتل و أنى بمعنى كيف أو من أين وكان يجوز أن تكون تامة وفاعلها غلام و أنى واللام متعلقان بها ويجوز أن تكون ناقصة و لي متعلق بمحذوف وقع حالا لأنه لو تأخر لكان صفة وفي الخبر حينئذ وجهان : أحدهما أنى لأنها بمعنى كيف أو من أين والثاني أن الخبر الجار و أنى منصوب على الظرفية وفي التنصيص على ذكر الغلام دلالة على أنه قد أخبر به عند التبشير كما في قوله تعالى : إنا نبشرك بغلام ايمه يحيى وقد بلغني الكبر حال من ياء المتكلم أي أدركني الكبر وأثر