اعتبار ما هنا محكيا بعبارة من الله تعالى ظهور عدم صحة كون ما في سورة مريم من عبارة الملك غير محكى من الله تعالى وأن الظاهر اتحاد الدعاءين وإلا فما هنا مما لا يجب حمله على ما ذكر لولا ذلك والملوح غير موجب كما لا يخفى ولابد في الموضعين من تقدير مضاف كالولادة إذ التبشير لا يتعلق بالاعيان ويؤل في المعنى إلى ما هناك أي إن الله يبشرك بولادة غلام اسمه يحيى مصدقا بكلمة من الله نصب على الحال المقدرة من يحيى : والمراد بالكلمة عيسى عليه السلام وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعليه أجلة المفسرين وإنما سمى عيسى عليه السلام بذلك لانه وجد بكلمة كن من دون توسط سبب عادي فشابه البديعيات التي هي عالم الأمر و من لابتداء الغاية مجازا متعلقة بمحذوف وقع صفة لكلمة أي بكلمة كائنة منه تعالى وأريد بهذا التصديق الايمان وهو أول من آمن بعيسى عليه السلام وصدق أنه كلمة الله تعالى وروح منه في المشهور .
أخرج أحمد عن مجاهد قال : قالت امرأة زكريا لمريم : إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال : كان يحيى وعيسى ابني خالة وكانت أم يحيى تقول لمريم إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه له وكان أكبر من عيسى بستة أشهر كما قال الضحاك وغيره وقيل : بثلاث سنين قيل : وعلى كل تقدير يكون بين ولادة يحيى وبين البشارة بها زمان مديد لأن مريم ولدت وهي بنت ثلاث عشرة سنة أو بنت عشر سنين واعترض بأن هذا إنما يتم لو كان دعاء زكريا عليه السلام زمن صفولية مريم قبل العشر أو الثلاث عشرة وليس في الآية سوى ما يشعر بأن زكريا عليه السلام لما تكرر منه الدخول على مريم ومشاهدته الرزق لديها وسؤاله لها وسماعه منها ذلك الجواب اشتاق إلى الولد فدعا بما دعا وهذا الدعاء كما يمكن أن يكون في مبادي الامر يمكن أن يكون في أواخره قبيل حمل مريم وكونه في الأواخر غير بعيد لما أن الرغبة حينئذ أوفر حيث شاهد عليه السلام دوام الامر وثباته زمن الصفولية وبعدها وهذا قلما يوجد في الاطفال إذ الكثير منهم قد يلقي الله تعالى على لسانه في صغره ما قد يكون عنه بمراحل في كبره فليس عندنا ما يدل صريحا على أن بين الولادة ولتبشير مدة مديدة ولا بين الدعاء والتبشير أيضا نعم عندنا ما يدل على أن يحيى أكبر من عيسى عليهما السلام وهو مما أتفق عليه المسلمون وغيرهم ففي إنجيل متى ما يصرح بأنه ولد قبله وقتله هيردوس قبل رفعه وأنه عمد المسيح والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .
وحكى عن أبي عبيدة أن معنى بكلمة من الله بكتاب منه والمراد به الأنجيل وإطلاق الكلمة عليه كإطلاقها على القصيدة في قولهم كلمة الحويدرة للعينية المعروفة بالبلاغة وسيدا عطف على مصدقا وفسره ابن عباس بالكريم وقتادة بالحليم والضحاك بالحسن الخلق وسالم بالتقي وابن زيد بالشريف وابن المسيب بالفقيه العالم وأحمد بن عاصم بالراضي بقضاء الله تعالى والخليل بالمطاع الفائق أقرانه وأبو بكر الوراق بالمتوكل والترمذي بالعظيم الهمة والثوري بمن لا يحسد وأبو إسحق بمن يفوق بالخير قومه وبعض أهل اللغة بالمالك الذي تجب طاعته إلى غير ذلك من الاقوال وكل ما فيها من الاوصاف مما يصلح ليحيى عليه السلام لأنها صفات كمال وأحق الناس بصفات الكمال النبيون إلا أن التحقيق أن أصل معنى السيد من يسود قومه ويكون له أتباع ثم أطلق على فائق في دين أو دنيا ويجوز أن يراد به هنا الفائق في الدين حيث أنه عليه السلام لم يهم بمعصية أصلا كما ورد من طرق عديدة