في وأسند البلوغ إلى الكبر توسعا في الكلام كأن الكبر طالب له وهو المطلوب .
روى عن ابن عباس أنه كان عليه السلام حين بشر بالولد مائة وعشرون سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة وقيل : كان له من العمر تسع وتسعون سنة وقيل : اثنتان وتسعون وقيل وثمانون وقيل خمس وسبعوه وقيل سبعون وقيل : ستون وامرأتي عاقر جملة حالية أيضا إما من ياء لي أو ياء بلغني و العاقر العقيم التي لا تلد من العقر وهو القطع لأنها ذات عقر من الاولاد وصيغة فاعل فيه للنسب وهو في المعنى مفعول أي معقورة ولذلك لم تلحق تاء التأنيث قاله أبو البقاء وكانت الجملة الأولى فعلية لأن الكبر يتجدد شيئا فشيئا ولم يكن وصفا لازما وكانت الثانية اسمية لأن كونها عاقرا وصف لازم لها وليس أمرا طارئا عليها وإنما قال ذلك عليه السلام مع سبق دعائه بذلك وقوة يقينه بقدرة الله تعالى عليه السلام بعد مشاهدته عليه السلام الشواهد السالفة استفسارا عن كيفية حصول الولد أيعطاه على ما هو عليه من الشيب ونكاح امرأة عاقر أم يتغير الحال قال الحسن وقيل : اشتبه عليه الامر أيعطي الولد من امرأته العجوز أن من امرأة أخرى شابة فقال ما قال وقيل : قال ذلك على سبيل الاستعظام لقدرة الله تعالى والتعجب الذي يحصل للانسان عند ظهور آية عظيمة كمن يقول لغيره : كيف سمحت نفسك بإخراج ذلك الملك النفيس من يدك ! تعجبا من جوده وقيل : إن الملائكة لما بشرته بيحيى لم يعلم أنه يرزق الولد من جهة التبني أو من صلبه فذكر ذلك الكلام ليزول هذا الاحتمال وقيل : إن العبد إذا كان في غاية الاشتياق إلى شئ وطلبه من السيد ووعده السيد باعطائه ربما تكلم بما يستدعي إعادة الجواب ليلتذ بالاعادة وتسكن نفسه بسماع تلك الاجابة مرة أخرى فيحتمل أن يكون كلام زكريا عليه السلام هذا من هذا الباب وقيل : قال ذلك استبعادا من حيث العادة لأنه لما دعا كان شابا ولما أجيب كان شيخا بناءا على ما قيل : إن بين الدعاء والاجابة أربعين سنة أو ستين سنة كما حكى عن سفيان بن عيينة وكان قد نسى دعاءه ولا يخفى ما في أكثر هذه الاقوال من العبد وأبعد منها ما نقل عن السدى أن زكريا عليه السلام جاءه الشيطان عند سماع البشارة فقال : إن هذا الصوت من الشيطان وقد سخر منك فاشتبه الامر عليه فقال : رب أنى يكون لي ولد وكان مقصوده من ذلك أن يريه الله تعالى آية تدل على أن ذلك الكلام من الوحي لا من الشيطان ومثله ما روى ابن جرير عن عكرمة أنه قال : أتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمه ربه فقال : هل تدري من ناداك قال : نعم ناداني ملائكة ربي قال : بل ذلك الشيطان ولو كان هذا من ربك لأخفاه اليك كما أخفيت نداءك فقال : رب أنى يكون لي الخ واعترضه القاضي وغيره بأنه لا يجوز أن يشتبه كلام الملائكة بكلام الشيطان عند الوحي على الانبياء عليهم السلام إذ لو جوزنا ذلك لارتفع الوثوق عن كل الشرائع وأجيب بأنه يمكن أن يقال : إنه لما قامت المعجزات على صدق الوحي في كل ما يتعلق بالدين فلا جرم يحصل الوثوق هناك بأن الوحي من الله تعالى بواسطة الملك ولا يدخل الشيطان فيه وأما فيما يتعلق بمصالح الدنيا والولد أشبه شئ بها فربما لم يتأكد ذلك بالمعجز فلا جرم بقي احتمال كون ذلك الكلام من الشيطان ولهذا رجع إلى الله تعالى في أن يزيل عن خاطره ذلك الاحتمال وأنت تعالم أن الاعتراض ذكر والجواب انثى ولعل هذا المبحث يأتيك إن شاء الله تعالى مستوفي عند تفسير قوله تعالى : ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته الآية .
وبالجملة القول باشتباه الامر على زكريا عليه السلام في غاية البعد لا سيما وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر