من عباده ومهبط وحيه ومبلغ أمره ونهيه وهذا ظاهر فى المصطفين المذكورين فى الآية من الرسل وأما مريم فلها الحظ الأوفر من بعض ذلك وقيل : اصطفى آدم بان خلقه بيديه وعلمه الأسماء واسجد له الملائكة واسكنه جواره واصطفى نوحا بأنه اول رسول بعث بتحريم البنات والاخوات والعمات والخالات وسائر ذوى المحارم وأنه أب الناس بعد آدم وباستجابة دعوته فى حق الكفرة والمؤمنين واصطفى آل إبراهيم بان جعل فيهم النبوة والكتاب ويكفيهم فخرا أن سيد الاصفياء منهم واصطفى عيسى وأمه بان جعلهما آية للعالمين وإن اريد بآل عمران موسى وهرون فوجه اصطفاء موسى E تكليم الله تعالى إياه وكتابه التوراة له بيده ووجه اصطفاء هرون جعله وزيرا لاخيه واما اصطفاء إبراهيم E فمفهوم بطريق الاولى وعدم التصريح به للايذان بالغنى عنه لكمال شهرة امره بالخلة وكونه شيخ الانبياء وقدرة المرسلين واما اصطفاء نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فيفهم من دخوله فى آل إبراهيم كما اشرنا اليه وينضم اليه ان سياق هذا المبحث لاجله كما يدل بيان وجه المناسبة فى كلام شيخ الاسلام وروى عن أإمة اهل البيت انهم يقرءون م وآل محمد على العالمين وعلى ذلك لا سؤال ومن الناس من قال : المراد بآل إبراهيم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جعل كأنه الأل مبالغة فى مدحه وفيه ان نبينا وإن كان فى نفس الأمر بمنرلة الانبياء كلهم فضلا هم آل إبراهيم فقط إلا ان هذه الارادة هنا بعيدة ويشبه ذلك فى البعد بل يزيد عليه ما ذكره بعضهم فى الآية انه لما امرهم بمتابعة صلى الله تعالى عليه وسلم وإطاعته وجعل إطاعته ونتابعته سببا لمحبة الله تعالى إياهم وعدم إطاعته سببا لسخط الله تعالى عليهم وسلب محبته عنهم اكد ذلك بتعقيبه بما هو عادة الله تعالى من اصطفاء أنبيائه على مخالفتهم وقمعهم وتذليلهم وإعدامهم لهم تخويفا لهؤلاء المتمردين عن متابعة صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر اصطفاء آدم على العالم الأعلى فإنه رجحه على سائر الملائكة وجعلهم ساجدين له وجعل الشيطان فى لعنة اتمرده واصطفاء نوح على العالم مع نهاية كثرتهم فأهلكهم بالطوفان وحفظ نوحا واتباعه واصطفاء آل إبراهيم على العالم مع أن العالم كانوا كافرين فجعل دينهم شائعا وذلل مخالفتهم واصطفاء موسى وهرون على العالم فجعل السحرة مع كثدتهم مغلوبين لهما وفرعون مع عظمته وغلبة جنوده مغلوبا واهلكهم ولذا خص آدم بالذكر ونوحا والآلين ولم يذكر إبراهيم ونبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إذ إبراهيم لم يغلب وهذا الكلام لبيان ان نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم سيغلب وليس المراد الاصطفاء بالنبوة حتى يخفى وجه التخصيص وبهذا ظهر ضعف الاستدلال به على فضلهم على الملائكة انتهى .
وفيه ان المتبادر من الاصطفاء الاجتباء والاختبار لا النصر على الاعداء على ان المقام بمراحل عن هذا الحمل وقد اخرج ابن عساكر وغيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنها انه فسر الاصطفاء هنا بالاختيار للرسالة ومثله فيما اخرجه ابن جرير عن الحسن م وأيضا حمل آل عمران على موسى وهرون مما لا ينساق اليه الذهن كما علمت وكأن القائل لما لم يتيسر له إجراء الاصطفاء بالمعنى الذى اراده فى عيسى E اضطر إلى الحمل على خلاف الظاهر وانت تعلم ان الآية غنية عن الولوج فى مثل هذا المضايق .
ذرية بعضها من بعض نصب علىالبدلية من الآلين أو الحالية منهما وقيل : بدل من نوح وما بعده وجوز ان يكون بدلا من آدم و ما عطف عليه ورده ابو البقاء بأن آدم ليس بذرية وأجيب بأنه مبنى على ما صرح به الرغب وغيره من أن الذرية تطلق على الآبار والأبناء لأنه من الذرء بمعنى الخلق والادب