وقال شيخ الاسلام C تعالى فى وجه المناسبة : إنه سبحانه لما بين إن الدين عند الله الاسلام وإن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو للبغى والحسد وأن الفوز برضوانه ومغفرته ورحمته منوط باتباع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم شرع فى تحقيق رسالته وأنه من اهل بيت النبوة القديمة فبدأ ببيان جلاله اقدار الرسل عليهم الصلاة والسلام واتبعه ذكر مبدأ عيسى وأمه وكيفية دعوته الناس إلى الإيمان تحقيقا للحق وإبطال لما عليه اهل الكتابين من الإفراط والتفريط فى شأنهما ثم بين محاجتهم فى إبراهيم وادعائهم الانتماء إلى ملته ونزه ساحته العلية عما هم عليه من اليهودية والنصرانية ثم نص على ان جميع الرسل دعاة عبادة الله تعالى وتوحيده وأن اممهم قاطبة مامورون بالايمان بمن جاءهم من رسول مصدق لما معهم تحقيقا لوجوب الايمان بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وتحتم الطاعة له حسبما يأتى تفصيله انتهى وهو وجه وجيه .
وبدأ بآدم E لانه اول النوع وثنى بنوح E لانه آدم الاصغر والاب الثانى وليس أحد على وجه البسيطة إلا من نسله لقوله سبحانه : وجعلنا ذريته هم الباقين وذكر آل إبراهيم لترغيب المعترفين باصطفائهم فى الايمان بنبوة واسطة قلادتهم واستمالتهم نحو الاعتراف باصطفائه بواسطة كونه من زمرتهم وذمر آل عمران مع اندراجهم فى الآل الأول لاظهار مزيد الاعتناء بأمر عيسى E لكمال رسوخ الاختلا فى شأنه وهذا عو الداعى إلى إضافة الآل فى الأخيرين دون الأولين .
وقيل : المراد بالآل فى الموضعين بمعنى النفس أى اطفى آدم ونوحا وإبراهيم وعمران وذمر الأل فيهما اعتناىا بشأنهما وليس بشئ والمراد بآل إبراهيم كما قال مقاتل : إسمعبل وإسحق ويعقوب والاسباط وروى عن ابن عباس والحسن رضى الله تعالى عنهم أنهم من كان على دينه كآل محمد فى أحد الاطلاقات والمراد بآل عمران عيسى E وأمه مريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود عليهما السلام قاله الحيسن ووهب وقبل : المراد بهم موسى وهرون عليهما السلام فعمران حينئذ هو عمران ابن يصهر ابو موسى قاله مقاتل وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة والظاهر هو القول الأول لان السورة تسمى آل عمران ولم تشرح قصة عيسى ومريم فى سورة ابسط من شرحها فى هذه السورة وأما موسى وهرون فلم يذكر من قصتهما فيها طرف فدل ذلك على ان عمران المذكور هو ابو مريم وايضا يرجح كون المراد به ابا مريم ان الله تعالى ذكر اصطفاءها بعد ونص عليه وأنه قال سبحانه : آذ قالت امرأة عمران 9 الخ والظاهر أنه شرح لكيفية الاصطفاء المشار إليه بقوله تعالى : وآل عمران فيكون من قبيل تكرار الاسم فى جملتين فيسبق الذهن إلى ان الثانى هو الأول نحو اكرم زيدا إن زيدا رجل فاضل وإذا كان المراد بالثانى غير الاول كان فى ذلك إلباس على السامع وترجيح القول الاخير بان موسى يقرن بإبراهيم فى الذكر ليس فى القوة كمرجح الأول كما لا يخفى والاصطفاء الاختيار واصله أخذ صفوة الشئ كالاستصفاء ولتضمينه معنى التفصيل عدى بعلى والمراد بالعالمين أهل زمان كل واحد منهم اى اصطفى كل واحد منهم على عالمى زمانه ويدخل الملك فى ذلك والتاويل خلاف الاصل .
ومن هنا استدل بعضهم بالآية على افضلية الأنبياء على الملائكة ووجه الاصطفاء فى جميع الرسل انه سبحانه خصهم بالنفوس القدسية وما يليق بها من الملكات الروحانية والكمالات الجسمانية حتى أنهم امتازوا كما قيل : على سائر الخلق خلقا وجعلوا خزائن اسرار الله تعالى ومظهر اسمائه وصفاته ومحل تجليه الخاص