فالجملة على الأول تذليل وعلى الثانى حال وإلى الاول يشير كلام الحسن رضى الله تعالى عنه و أل فى العباد للاستغراق وتكرير الاسم الجليل لتربية المهابة وإذهاب الغفلة بتوجيه الذهن إلى هذا الحكم اتم توجه .
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى ذهب عامة المتكلمين إلى أن المحبة نوع من الادارة وهى لا تتعلق حقيقة إلا بالمعانى والمنافع فيستحسل تعلقها بذاته تعالى وصفاته فهى هنا بمعنى إرادة العبد اختصاصه تعالى بالعباد وذلك إما من باب إطلاق الملزوم اللازم أو من باب الاستعارة التبعية بأن شبه إرادة العبد ذلك ورغبته فيه بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلا لا يلتفت معه إلا اليه أو من باب مجاز النقص أى إن كنتم تحبون طاعة الله تعالى أو ثوابه فاتبعونى فيما آمركم به وأنهاكم عنه كذا قيل وهو خلاف مذهب العارفين من اهل السنة والجماعة فانهم قالوا المحبة تتعلق حقيقة بذات الله تعالى وينبغى للكامل ان يحب الله سبحانه لذاته وأما محبة ثوابه فدرجة نازلة قال الغزالى عليه الرحمة فى الاحياء : الحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشئ الملذ فان تأكد ذلك الميل وقوى يسمى عشقا والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب فاذا قوى سمى مقتا ولا يظن ان الحب مقصور على مدركات الحواس الخمس حتى يقال : إنه سبحانه لا يدرك بالحواس ولا يتمثل بالخيال فلا يحب لانه صلى الله تعالى عليه وسلم سمى الصلاة قرة عين وجعلها أبلغ المحبوبات ومعلوم أنه ليس للحواس الخمس فيها حظ با حس سادس مظنته القلب والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر والقلب أشد إدراكا من العين وجمال المعانى المدركة بالعقل اعظم من جمال الصور الظاهرة للابصار فتكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الامور الشريفة الالهية التى تجل أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح اليه أقوى ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما فى إدراكه لذة فلا ينكر إذا حب الله تعالى إلا من قعد به القصور فى درجة البهائم فلم يجز إدراكه الحواس اصلا نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الوراق : تعصى الاله وأنت تظهر حبه هذا لعمرى فى القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعمه إن الحب لمن يحب مطيع والقول : بان المحبة تقتضى الجنسية بين المحب والمحبوب فلا يمكن ان تتعلق بالله تعالى ساقط من القول لأنها قد تتعلق بالاعراض بلا شبهة ولا جنسية بين العرض والجوهر يحببكم الله جواب الامر وهو رأى الخليل وأكثر المتأخرين على أن مثل ذلك جواب شرط مقدر أى إن تتبعونى يحببكم اى يقربكم رواه ابن أبى حاتم عن سفيان بن عيينة وقيل : يرض عنكم وعبر عن ذلك بالمحبة على طريق المجاز المرسل او الاستعارة أو المشاكلة وجعل بعضهم نسبة المحبة لله تعالى من المتشابه الذى لا يعلم تاويله إلا الله تعالى .
ويغفر لكم ذنوبكم أى يتجاوز لكم عنها والله غفور رحيم .
13 .
- اى لمن تحب اليه بطاعته وتقرب اليه باتباع نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم والجملة تذييل وقرر لما سبق مع زيادة وعد الرحمن ووضع الاسم الجليل مع الاضمار لما مر وللاشعار باستتباع وصف الألوهية للمغفرة والرحمة وقرئ تحبونى ويحبكم ويحببكم من حبه يحبه ومنه قوله : أحب أبا ثروان من حب تمره وأعلم أن الرفق بالجار أرفق والله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عبيد ومشرق