قد استوى بشر على العراق من غير حرب ودم مهراق وأين استواء بشر على العراق من استواء الرحمن على العرش ونهاية الامر يحتاج إلى القول بأن المراد استيلاء يليق بشأن الرحمن جل شأنه فليقل من اول الامر قبل تحمل مؤنة هذا التأويل استواء يليق بشأن من عز شأنه وتعالى عن إدراك العقول سلطانه وهذا أليق بالأدب وأوفق بكمال العبودية وعليه درج صدر الامة وساداتها وإياها اختار أئمة الفقهاء وقاداتها واليها دعا أئمة الحديث فى القديم والحديث حتى قال محمد ابن الحسن كما أخرجه عنه اللالكائى : اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الايمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه وورد عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له ضبيع : قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فارسل اليه عمرو بن الخطاب رضىالله تعالى عنه وقد أعدله عراجين النخل فقال : من أنت فقال : أنا عبدالله ضبيع فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى ادمى راسه وفى رواية فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبرة ثم تركه حتى برئ ثم عاد اليه ثم تركه حتى برئ فدعا به ليعود فقال : إن كنت تريد قتلى فاقتلنى قتلا جميلا فأذن له إلى ارضه وكتب إلى ابى موسى الاشعرى أن لا يجالسه أحد من المسلمين لا يقال إن تركت أمثال هذه المتشابهات على ظواهرها دلت على التجسيم وإن لم ترد ظواهرها فقد أولت لأن التاويل على ما قالوا : إخراج الكلام عن ظاهره لأنا نقول : نختار الشق الثانى ولا نسلم ان التاويل إخراج الكلام عن ظاهره مطلقا بل إخراجه إلى معنى معين معلوم كما يقال الاستواء مثلا بمعنى الاستيلاء على أن التاويل معنيين مشهورين لا يصدق شئ منهما على نفى الظاهر من غر تعيين للمراد احدهما ترجمة الشئ وتفسيره الموضح له وثانيهما بيان حقيقته وإبرازها إما بالعلم أو العقل فإن من قال : بعد التنزيه لا ادرى من هذه المتشابهات سوى أن الله تعالى وصف بها نفسه وأراد منها معنى لائقا بجلاله جل جلاله ولا أعرف ذلك المعنى لم يقل فى حقه أنه ترجم وأوضح ولا بين الحقيقة وأبرز المراد حتى يقال إنه أول ومن أمعن النظر فى مأخذ التاويل لم يشك فى صحة ما قلنا نعم ذهبت شرذمة قليلة من السلف إلى إبقاء نحو المذمورات على ظواهرها إلا أنهم ينفون لوازنها المنقدحة للذهن الموجبة لنسبة النقص إليه عز شأنه ويقولون : إنما هى لوازم لا يصح انفكاكها عن ملزوماتها فى صفاتنا الحادثة وأما فى صفات من ليس كمثله شي فليست بلوازم فى الحقيقة ليكون القول بانفكاكها سفسطة واين التراب من رب الأرباب وكأنهم إنما قالوا ذلك ظنا منهم أن قول الآخرين من السلف تاويل و الراسخون فى العلم لا يذهبون إليه او أنهم وجدوا بعض الآثار يشعر بذلك مثل ما حكى مقاتل والكلبى عن ابن عباس فى استوى أنه بمعنى استقر وما أخرجه ابو القاسم من طريق قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن ام سلمة فى قوله تعالى : الرحمن العرش استوى إنها قالت : الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به من الإيمان والجحود به كفر .
وقريب من هذا القول ما يصرح به كلام كثير من ساداتنا الصوفية قالوا : إن هذه التشابهات تجرى على ظواهرها مع القول بالتنزيه الدال عليه قوله تعالى : ليس كمثله شئ حيث ان وجود الحق تعالى شأنه لا تقيده الأكوان وإن تجلى فيما شاء منها إذله كمال الاطلاق حتى عن قيد الاطلاق ولا يخفى أن إجراء المتشابهات على ظاهرها مع التنزيه اللائق بجلال ذاته سبحانه طور ما وراء طور العقل وبحر لا يسبح فيه إلا من فاز بقرب النوافل .
وذكر بعض أإمة التدقيق إن العقل سبيله فى العلم بالصفات الثمانية المشهورة كعلمه بتلك الصفات التى يدعى الخلف رجوعها إليها إذا أحد النظر فقد قام البرهان وشاهد العيان على عدم المماثلة ذاتا وصفات ايضا