ذلك غاية التربية ونهاية المصلحة هذا إذا اريد بما لا سبيل لأحد من الخلق إلىمعرفته ما لا سبيل لأحد منهم إلى معرفته من طريق الفكر وأما إذا اريد ما لا سبيل إلى معرفته مطلقا سواء كانت على الاجمال أو التفصيل بالوحى أ بالالهام لنبى أولولى فوجود مثل هذا المخاطب به فى القرآن فى حيز المنع ولعل القائل بكون المتشابه مما استأثر الله تعالى بعلمه لا يمنع تعليمه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم بواسطة الوحى مثلا ولا إلقاءه فى روع الولى الكامل مفصلا لكن لا يصل إلى درجة الاحاطة كعلم الله تعالى وإن لم يكن مفصلا فلا أقل من أن يكون مجملا ومنع هذا وذاك مما لا يكاد يقول به من يعرف رتبة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ورتبة اولياء أمته الكاملتين وإنما المنع من الاحاطة ومن نعرفته على سبيل النظر والفكر وهو الطريق المعتاد والسبيل المسلوك فى معرفة المشكلات واستحصال النظريات ولتبادر هذا المعنى من يعلم إذا اسند إلى الراسخين منع إسناده اليهم ومتى أريد منه العلم لا من طريق الفكر صح الاسناد وجاز العطف ولكن دون توهم هذه الارادة من ظاهر الكلام خرط القتاد فلهذا شاعالقول بعدم العطف وكان القول به أسلم .
ويؤيد ما قلنا ما ذكره الامام الشعرانى قال : أخبرنى شيخنا على الخواص قدس سره إن الله تعالى اطلعه على معانى سورة الفاتحة فخرج منها مائتى الف علم وأربعين ألف علم وتسعمائة وتسعين علما وكان يقول : لا يسمى عالما اى عند أهل الله تعالى إلا من عرف كل لفظ جاءت به الشريعة وقال فى الكشف فى نحو ق حم طس : لعل إدراك ما تحته عند أهله كإدرا كنا للأوليات ولا يستبعد ففيض البارى عم نواله غير محصور واستعداد الانسان الكامل عن القبول غير محسور ومن لم يصدق إجمالا بأن وراء مدركات الفكرة ومباديها طورا او أطوارا حظ العقل منها حظ الحس من المعقولات فهو غير متخلص عن مضيق التعطيل أو التشبيه وإن لم يتدارك حاله بقى بعد كشف الغطا فى هذا التيه ولتتحقق من هذا أن المراتب مختلفة وأن الاحاطة على الحقائق الالهية كما هى مستحيلة إلا للبارى جل ذكره وأنه لا بد للعارف وإن وصل إلى أعلى المراتب أن يبقى له ما يجب الايمان بع غيبا وهو من لمتشابه الدى يقول الراسخون فيه : آمنا به كل من عند ربنا فهذا ما يجب أن يعتقد كى لا يلحد .
ثم اعلم أن كثيرا من الناس جعل الصفات النقلية من الاستواء واليد والقدم والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والتعجب وأمثالها من المتشابه ومذهب السلف والاشعرى C تعالى من اعيانهم كما أبانت عن حاله الإبانة أنها صفات ثابتة وراء العقل ما كلفنا إلا اعتقاد ثبوتها مع اعتقاد عدم التجسيم والتشبيه لئلا يضاد النقل العقل وذهب الخلف إلى تأويلها وتعيين مراد الله تعالى منها فيقولون : الاستواء مثلا يمعنى الاستيلاء والغلبة وذلك أثر من آثار بعض الصفات الثمانية التى ليس لله تعالى عندهم وراءها صفة حتى ادعى السكوتى وليته سكت أن ما وراء ذلك ممتنع إذ لا يلزم من نفيه محال وكل ما لا يلزم من نفيه محال لا يكون واجبا والله تعالى لا يتصف إلا بواجب وذكر الشعرانى فى الدرر المنثورة أن مذهب السلف أسلم وأحكم إذ المؤل انتقل عن شرح الاستواء الجسمانى على العرش المكانى بالتنزيه عنه إلى التشبيه السلطانى الحادث وهو الاستيلاء على المكان فهو انتقال عن التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فما بلغ عقله فى التنزيه مبلغ الشرع فيه فى قوله تعالى : ليس كمثله شئ ألا ترى أنه استشهد فى التنزيه العقلى فى الاستواء بقول شاعر :