لكن صفاته المتعالية وأسماؤه الحسنى قسمان قسم يناسب ما عندنا من صفات نوع مناسبو وإن كانت بعيدة ولا يقال : فلا بد فيه فى أفهامنا معاشر الناقصين من أن يسمى بتلك الأسماء المشتهرة عندنا فيسمى علما مثلا لا دواة ولا قلما وقسم ليس كذلك وهو المشار إليه بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم أو استأثرت به فى علم الغيب عندك فقد يذكر له أسماء مشوقة لأن منه ما للانسان الكامل منه نصيب بطريق التخلف والتحقيق فيذكر تارة اليد والنزول والقدم ونحو ذلك من المخيلات مع العلم البرهانى والشهود الوجدانى بتنزيه تعالى عن كل كمال يتصوره الإنسان ويحيط به فضلا عن النقصان فيعلم أنه أشار إلى ذلك القسم الذى علم بالاجمال ويتوجه إذ ذاك بكليته شطر كعبة الجلال والجمال فيفاض عليه من ينبوع الكمال ما يستأنس عنده وينكشف له جلية الحال وإذ ليس له مناسبة بما عندنا لا توجد عبارة يترجم عنها إلا على سبيل الخيال وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة السلام : من عرف الله تعالى كل لسانه وأخرى بين مقصد الكل ومن أحبه سبحانه ما يصان عن تهمة إدراك الاغيار من نحو تلك الفواتح ولعل إدراكها عند أهلها كإدراك الأوليات إلا أنه لا إحاطة بل لابد من بقاء شئ كما أشير اليه وعلى هذا أيضا الأليق أن يوقف لأنه شعار من لنا فيهم الأسوة الحسنة مع ظهور وجهه لكن لا تجعل الآية حجة على من تأول نحو والأرض جميعا قبضته يوم القيامة مثلا إذ لا يسلم أنه داخل فى ذلك المتشابه والحمل على المجاز الشائع فى كلام العرب والكتابة البالغة فى الشهرة مبلغ الحقيقة أظهر من الحمل على معنى كجهول نعم لو قيل : إن تصوير العظمة على هذا الوجه دال على أن العقل غير مستقل بإدراكها وأنها أجل من أن تحيط بها العقول فالكنه من المتشابه الذى دلت الآية عليه ويجب الايمان به كان حسنا وجميعا بين ما عليه السلف ومشى عليه الخلف وهو الذى يجب أن يعتقد كيلا يلزم ازدراء بأحد الفريقين كما فعل ابن القيم حتى قال : لام الاشعرية كنون اليهودية اعاذنا الله تعالى من ذلك وعلى هذا يجب أن يفسر المتشابه فى الآية بما يعم القسمين والحكم أم يرجع اليه فى تمييز القسمين أحدهما فرعه الايمانى والثانى فرعه الايقانى وابن دقيق العيد توسط فى مسألة التأويل ويحتمل أنه لم يخرج ما قاله هذا المدقق اخيرا من المتشابه فقال : إذا كان التاويل قريبا من لسان العرب لم ينكر أو بعيدا توقفنا عنه وآمنا بمعناه على الوجه الذى اريد به مع التنزيه وما كان معناه من هذه الالفاظ ظاهرا معهودا من تخاطب العرب قلنا به من غير توقف كما فى قوله تعالى يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله فنحمله على حق الله تعالى وما يجب له فليفهم هذا المقام فكم زلت فيه اقوام بعد أقوام ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا يحتمل أن يكون من تمام مقالة الراسخين ويحتمل أن يكون على معنى التعليم أى قولوا ربنا لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتاويل لا ترضيه بعد إذ هديتنا إلى معالم الحق من التفويض فى المتشابه او الايمان بالقسمين أو التأويل الصحيح ويؤل المعنى إلى لا تضلنا بعد الهداية لأن زيغ القلوب فى مقابلة الهداية ومقابلة الهداية الاضلال وصحة نسبه ذلك إلى الله تعالى على مذهب أهل السنة فى افعال العباد ظاهرة والمعتزلة يؤولون ذلك بنحو لا تبلنا ببلايا تزيغ بسببها قلوبنا ولا تمنعنا الطافك بعد أن لطفت بنا وإنما دعوا بذلك او أمروا بالدعاء به لأن القلوب لا تتقلب ففى الصحيح عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كثيرا ما يدعوا يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك قلت : يارسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء فقال : ليس من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامة وإن شاء أن يزيغه أزاغة