به لكثرة التنازع فيه كذا قيل ولا يخفى أن أمر الاشتقاق والوزن على تقدير عربية اللفظين ظاهر وأما على تقدير انهما أعجميان أولهما عبرانى والآخر سريانى وهو الظاهر فلا معنى له على الحقيقة لان الاشتقاق من ألفاظ أخر أعجمية مما لا مجال لا ثباته ومن ألفاظ عربية كما سمعت استنتاج للضب من الحوت فلم يبق إلا أنه بعد التعريب أجروه مجرى أبنيتهم فى الزيادة والاصالة وفرضوا له أصلا ليتعرف ذلك كما أشرنا اليه فيما قبل والاستدلال على عربيتهما بدخول اللام لان دخولها فى الاعلام العجمية محل نظر لانهم ألزموا بعض الاعلام الاعجمية الألف واللام علامة للتعريف كما فى الاسكندرية فإن ابا زكريا التبريزى قال إنه لا يستعمل بدونها مع الاتفاق على أعجميته ومما يؤيد أعجمية الانجيل ما روى عن الحسن أنه بفتح الهمزة وأفعيل ليس من أبنية العرب من قبل متعلق بأنزل أى أنزلهما من قبل تنزيل الكتاب ويل : من قبلك والتصريح به مع ظهور الأمر للمبالغة فى البيان كذا قالوا برمتهم وأنا أقول التصريح به للرمز إلى أن إنزالها نتضمن للإرهاص لبعثه حيث قيد الانزال المقيد بمن قبل بقوله سبحانه : هدى للناس أى أنزلهما كذلك لاجل هداية الناس الذين أنزلا عليهم إلى الحق الذى من جملته الايمان به واتباعه حين يبعث لما اشتملتا عليه من البشارة به والحث على طاعته E والهداية بهما بعد نسخ أحكامها بالقرآن إنما هى من هذا الوجه لا غير والقول بأنه يهتدى بهما أيضا فيما عدا الشرائع المنسوخة من الامور التى يصدقها القرآن ليس بشئ لان الهداية إذ ذاك بالقرآن المصدق لا بهما كما لا يخفى على المنصف ويجوز أن ينتصب هدى على أنه حال منهما والافراد لما أنه مصدر جعلا نفس الهدى مبالغة أو حذف منه المضاف اى ذوى هدى وجعله حالا من الكتاب مما لا ينبغى أن يرتكب فيه وأنزل الفرقان أخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه القرآن فرق به بين الحق والباطل فأحل فيه حلاله وحرم حرامه وشرع شرائعه وحد حدوده وفرائضه وبين بيانه وأمر بطاعته ونهى عن معصيته وذكر بهذا العنوان بعد ذكره باسم الجنس تعظيما لشأنه ورفعا لمكانه وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه الفاصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى عليه السلام وغيره وأيد هذا بأن صدر السورة كما قدمنا نزلت فى محاجة النصارى للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى أمر أخيه عيسى عليه السلام وعليه يكون المراد بالفرقان بعض القرآن ولم يكتف باندراجه فى ضمن الكل اعتناءا به ومثل هذا القول ما روى عن أبى عبدالله رضى الله تعالى عنه أن المراد به كل آية محكمة وقيل : المراد به جنس الكتب الالهية عبر عنها بوصف شامل لما ذكر منها وما لم يذكر على طريق التتميم بالتعميم إثر تخصيص بعض مشاهيرها بالذكر وقيل : نفس الكتب المذكورة أعيد ذكرها بوصف خاص لم يذكر فيما سبق على طريق العطف بتكرير لفظ الانزال تنزيلا للتغاير الوصفى منزلة التغاير الذاتى وقيل : المراد به الزبور وتقديم الانجيل عليه مع تأخره عنه نزولا لقوة مناسبته للتوراة فى الاشتمال على الاحكام وشيوع اقترانهما فى الذكر واعترض بأن الزبور مواعظ فليس فيه ما يفرق بين الحق والباطل من الاحكام وأجيب بأن المواعظ لما فيها من الزجر والترغيب فارقه أيضا ولخفاء الفرق فيها خصت بالتوصيف به واورد عليه بأن ذكر الوصف دون الموصوف يقتضى شهرته به حتى يغنى عن ذكر موصوفه والخفاء إنما يقتضى إثبات الوصف دون التعبير به وقيل : المراد به المعجزات المقرونة بإنزال الكتب المذكورة الفارقة بين المحق