هو القهر والإلجاء إلى متابعته لا التعرض للإيذاء والتصدي لما يحصل بسببه الهلاك ومن تتبع الأخبار النبوية وجد الكثير منها قاطعا بجواز وقوع ذلك من الشيطان بل وقوعه بالفعل وخبر الطاعون من وخز أعدائكم الجن صريح في ذلك وقد حمله بعض مشايخنا المتأخرين على نحو ما حملنا عليه مسألة التخبط والمس حيث قال : إن الهواء إذا تعفن تعفنا مخصوصا مستعدا للخلط والتكوين تنفرز منه وتنحاز أجزاء سمية باقية على هوائيتها أو منقلبة بأجزاء نارية محرقة فيتعلق بها روح خبيثة تناسبها في الشرارة وذلك نوع من الجن فإنها على ما عرف في الكلام أجسام حية لا ترى إما الغالب عليها الهوائية أو النارية ولها أنواع عقلاء وغير عقلاء تتوالد وتتكون فإذا نزل واحد منها طبعا أو إرادة على شخص أو نفذ في منافذه أو ضرب وطعن نفسه به يحصل فيه بحسب ما في ذلك الشر من القوة السمية وما في الشخص من الإستعداد للتأثر منه كما هو مقتضى الأسباب العادية في المسببات ألم شديد مهلك غالبا مظهر للدماميل والبثرات في الأكثر بسبب إفساده للمزاج المستعد وبهذا يحصل الجمع بين الأقوال في هذا الباب وهو تحقيق حسن لم نجده لغيره كما لم نجد ما حققناه في شأن المس لأحد سوانا فليحفظ .
والجار والمجرور متعلق بما قبله من الفعل المنفي بناءا على أن ما قبل إلا يعمل فيما بعدها إذا كان ظرفا كما في الدر المصون أي لا يقومون من جهة المس الذي بهم بسبب أكلهم الربا أو بيقوم أو بيتخبطه ذلك إشارة إلى الأكل أو إلى ما نزل بهم من العذاب بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا أرادوا نظمهما في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح فحيث حل بيع ما قيمته درهم بدرهمين حل بيع درهم بدرهمين إلا أنهم جعلوا الربا أصلا في الحل وشبهوا البيع به روما للمبالغة كما في قوله : ومهمه مغبرة أرجاؤه كأن لون أرضه سماؤه وقيل : يجوز أن يكون التشبيه غير مقلوب بناءا على ما فهموه أن البيع إنما حل لأجل الكسب والفائدة وذلك في الربا متحقق وفي غيره موهوم وأحل الله البيع وحرم الربوا جملة مستأنفة من الله تعالى ردا عليهم وإنكارا لتسويتهم وحاصله أن ما ذكرتم قياس فاسد الوضع لأنه معارض للنص فهو عمل الشيطان على أن بين البابين فرقا وهو أن من باع ثوبا يساوى درهما بدرهمين فقد جعل الثوب مقابلا لدرهمين فلا شيء منهما إلا وهو في مقابلة شيء من الثوب وأما إذا باع درهما بدرهمين فقد آخذ الدرهم الزائد بغير عوض ولا يمكن جعل الإمهال عوضا إذ الإمهال ليس بمال حتى يكون في مقابلة المال وقيل : الفرق بينهما أن أحد الدرهمين في الثاني ضائع حتما وفي الأول منجبر بمساس الحاجة إلى السلعة أو بتوقع رواجها وجوز أن تكون الجملة من تتمة كلام الكفار إنكارا للشريعة وردا لها أي مثل هذا من الفرق بين المتماثلات لا يكون عند الله تعالى فهي حينئذ حالية وفيها قد مقدرة ولا يخفى أنه من البعد بمكان والظاهر عموم البيع والربا في كل بيع وفي كل ربا إلا ما خصه الدليل من تحريم بعض البيوع وإحلال بعض الربا وقيل هما مجملان فلا يقدم على تحليل بيع ولا تحريم ربا إلا ببيان ويؤيده ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وابن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : من آخر ما أنزل آية الربا وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها لنا فدعو الربا والريبة فمن جاءه موعظة أي فمن بلغه وعظ وزجر كالنهي عن الربا وإستحلاله و من