إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطن أي إلا قياما كقيام المتخبط المصروع في الدنيا و التخبط تفعل بمعنى فعل وأصله ضرب متوال على أنحاء مختلفة ثم تجوز به عن كل ضرب غير محمود وقيام المرابي يوم القيامة كذلك مما نطقت به ألآثار فقد أخرج الطبرانى عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إياك الذنوب التى لا تغفر الغلول فمن غل شيئا أتى به يوم القيامة وأكل الربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط ثم قرأ الآية وهو مما لا يحيله العقل ولا يمنعه ولعل الله تعالى جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له كما جعل لبعض المطيعين أمارة تليق به يعرف بها كرامة له ويشهد لذلك أن هذه الامة يبعثون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وإلى هذا ذهب ابن عباس وابن مسعود وقتادة واختاره الزجاج وقال ابن عطية : المراد تشبيه المرابى في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة : قد جن ولا يخفى أنه مصادمة لما عليه سلف الأمة وروي عن رسول الله A من غير وداع سوى الإستبعاد الذي لا يعتبر في مثل هذه المقامات من المس أي ا 4 لجنون يقال : مس الرجل فهو ممسوس إذا جن وأصله اللمس باليد وسمى به لأن الشيطان قد يمس الرجل وأخلاطه مستعدة للفساد فتفسد ويحدث الجنون وهذا لا ينافى ما ذكره الأطباء من أن ذلك من غلبة مرة السوداء لأن ما ذكروه سبب قريب وما تشير اليه الآية سبب بعيد وليس بمطرد أيضا بل ولا منعكس فقد يحصل مس ولا يحصل جنون كما إذا كان المزاج قويا وقد يحصل جنون ولم يحصل مس كما إذا فسد المزاج من دون عروض أجنبى والجنون الحاصل بالمس قد يقع أحيانا وله عند أهله الحاذقين أمارات يعرفونه بها وقد يدخل في بعض الاجساد على بعض الكيفيات ريح متعفن تعلقت به روح خبيثة تناسبه فيحدث الجنون أيضا على أتم وجه وربما استولى ذلك البخار على الحواس وعطلها واستقلت تلك الروح الخبيثة بالتصرف فتتكلم وتبطش وتسعى بآلات ذلك الشخص الذي قامت به من غير شعور للشخص بشئ من ذلك أصلا وهذا كالمشاهد المحسوس الذي يكاد يعد منكره مكابرا منكرا للمشاهدات .
وقال المعتزلة والقفال من الشافعية : إن كون الصرع والجنون من الشيطان باطل لأنه لايقدر على ذلك كما قال تعالى حكاية عنه : وما كان لى عليكم من سلطان الآية و ما هنا وارد على ما يزعمه العرب ويعتقدونه من أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع وأن الجنى يمسه فينخلط عقله وليس لذلك حقيقة وليس بشء بل هو من تخبط الشيطان بقائله ومن زعماته المردود بقواطع الشرع فقد ورد ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخا وفى بعض الطرق إلا طعن الشيطان في خاصرته ومن ذلك يستهل صارخا إلا مريم وإبنها لقول أمها وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : كفوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت إنتشار الشياطين وقد ورد في حديث المفقود الذي اختطفه الشياطين وردته في زمنه E أنه حدث من شأنه معهم قال : فجاءنى طائر كأنه جمل قبعثري فإحتملني على خافية من خوافيه إلى غير ذلك من الآثار وفي لقط المرجان في أحكام الجان كثير منها وإعتقاد السلف وأهل السنة أن ما دلت عليه أمور حقيقية واقعة كما أخبر الشرع عنه وإلتزام تأويلها كلها يستلزم خبطا طويلا لا يميل إليه إلا المعتزلة ومن حذا حذوهم وبذلك نحوه خرجوا عن قواعد الشرع القويم فأحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون والآية التي ذكروها في معرض الإستدلال على مدعاهم لا تدل عليه إذ السلطان المنفي فيها إنما