حقا ولعل المقصود في الروايتين بيان بعض أفرادها هذا المفهوم ودخوله فيه إد ذاك دخولا اوليا لا الحصر إذ هذا الحكم باق إلى يوم الدين يحسبهم أي يظنهم الجاهل الذي لا خبرة له بحالهم .
أغنياء من التعفف أي من أجل تعففهم على المسألة فمن للتعليل وأتى بها لفقد شرط من شروط النصب وهو اتحاد الفاعل وقيل : لابتداء الغية والمعنى إن حسبان الجاهل غناهم نشأ من تعففهم والتعفف ترك الشئ والاعراض عنه مع القدرة على تعاطيه ومفعوله محذوف اختصارا كما أشرنا اليه وحال هذه الجملة كحال سابقتها تعرفهم بسيمهم أي تعرف فقرهم واضطرارهم بالعلامة الظاهرة عليهم كالتخشع والجهد ورثاثة الحال .
أخرج ابو نعيم عن فضالة بن عبيد قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلى بالناس تخر رجال من قيامهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة وهم أهل الصفة حتى يقول الاعراب إن هؤلاء مجانين .
وأخرج هو أيضا عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان من أهل الصفة سبعون رجلا ليس لواحد منهم رداء والخطاب للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أو لكل من له حظ من الخطاب مبالغة في بيان وضوح فقرهم ووزن سيما عفلا لأنها من الوسم بمعنى السمة نقلت الفاء إلى موضع العين وقلبت ياءا لوقوعها بعد كسرة لا يسئلون الناس إلحاقا أي إالحاحا وهو أن يلازم المسئول حتى يعطيه من قولهم لحفنى من فضل لحافه أي أعطانى من فضل ما عنده وقيل : سمى الالحاح بذلك لأنه يغطى القلب كما يغطى اللحاف من تحته نصبه على المصدر فانه كنوع من السؤال أو على الحال أي ملحفين والمعنى أنهم لا يسألون أصلا وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه واليه ذهب الفراء والزجاج وأكثر ارباب المعانى وعليه يكون النفى متوجها لامرين على حد قول الاعشى : لايغمز الساق من أين ومن وصب ولا يغص على شرسوفة الصغر واعترض بأن هذا إنما يحسن إذا كان ألقيد لازما للمقيد أو كاللازم حتى يلزم من نفيه نفيه بطريق برهانى وما هنا ليس كذلك إذا لالحاف ليس لازما للسؤال ولا كلازمه وأجيب بان هذا مسلم إن لم يكن في الكلام ما يقتضيه وهو كذلك هنا لأن التعفف حتى يظنوا أغنياء يقتضى عدم السؤال راسا وأيضا تعرفهم بسيماهم مؤيد لذلك إذ لو سألوا لعرفوا بالسؤال واستغنى عن العرفان بالسيما وقيل : المراد إنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا ومن الناس من جعل المنصوب مفعولا مطلقا للنفى أي يتركون السؤال إلحاحا أي ملحين في الترك وهو كما ترى وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم .
273 .
- فيجازيكم به وهو ترغيب في الإنفاق لا سيما على هؤلاء أخرج البخارى ومسلم عن ابى هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا وتقدم الظرف مراعاة للفواصل أو إيماءا للمبالغة .
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية أي يعممون الاوقات والأحوال بالخيروالصدقة فالمراد بالليل والنهار جميع الأوقات كما أن المراد بما بعده جميع الأحوال وقدم الليل على النهار والسر على العلانية للإيذان بمزية الإخفاء على الاظهار وانتصاب سرا وعلانية على أنهما مصدران في موضع الحال أي مسرين