وأنت تعلم أن من أهل السنة من ذهب إلى هذا كأبي عبد الله الحليمي والقاضي أبي بكر الباقلاني والإمام الرازي ونسب إلى القاضي البيضاوي وكلامه في التفسير هنا لا يخلو عن إغلاق وتصدي من تصدى لتوجيهه وأطالوا في ذلك على أن الخلاف في أفضليتهم بمعنى كثرة الثواب وما يترتب عليها من كونهم أكرم على الله تعالى وأحبهم إليه سبحانه لا بمعنى قرب المنزلة ودخول حظائر القدس ورفع ستارة الملكوت بالأطلاع على ما غاب عنا والمنسبة في النزاهة وقلة الواسائط ونحو ذلك فإنهم بهذا الأعتبار أفضل بلا خلاف وكلام ذلك البعض يحتمل أن يكون مبنيا عليه وهذا كما نشاهده من حال خدام الملك وخاصة حرمه فإنهم أقرب إليه من وزرائه والخارجين من أقربائه وليسوا عنده بمرتبة واحدة وإن زادا في التبسط والدلال عليه وعن ابن عباس أن ضمير لا يتكلمون للناس وجوز أن يكون إلا من أذن الخ منصوبا على أصل الأستثناء والمعنى لا يتكلمون إلا من حق شخص أذن له الرحمن وقال ذلك الشخص في الدنيا صوابا أي حقا هو التوحيد وقول لا إله إلا الله كما روي عن ابن عباس وعكرمة وعليه قيل يجوز أن يكون قال صوابا في موضع الحال ممن بتقدير قد أو بدونه لا عطفا على أذن ومن الناس من جوز الحالية على الوجه الأول أيضا لكن من ضمير يتكلمون باعتبار كل واحد أو باعتبار المجموع وظن أن قول بعضهم المعنى لا يتكلمون بالصواب إلا بإذنه لا يتم بدون ذلك وفيه ما فيه جملة لا يتكلمون حال من الروح والملائكة أو من ضميرهم في صفا والجمهور على ما تقدم وإظهار الرحمن في موقع الإضمار للإيذان بأن مناط الأذن هو الرحمة البالغة لا أن أحدا يستحقه عليه سبحانه وتعالى كما أن ذكره فيما تقدم للأشارة إلى أن الرحمة مناط تربيته D وذلك إشارة إلى يوم قيامهم على الوجه المذكور وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو درجته وبعد منزلته في الهول والفخامة ومحله الرفع على الأبتداء خبره قوله تعالى اليوم الموصوف بقوله سبحانه الحق أو هو الخير واليوم بدل أو عطف بيان والمراد بالحق الثابت المتحقق أي ذلك اليوم الثابت الكائن لا محالة والجملة مؤكدة لما قبل ولذا لم تعطف والفاء في قوله D فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف دل عليه الجزاء وإلى ربه متعلق بما قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق الأمر المذكور لا محالة فمن شاء أن يتخذ مرجعا إلى ثواب ربه الذي ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالإيمان والطاعة وقال قتادة فيما رواه عنه عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن المنذر مآبا أي سبيلا وتعلق الجار به لما فيه من معنى الأفضاء والإيصال والأول أظهر وتقدير المضاف أعني الثواب قيل لاستحالة الرجوع إلى ذاته D وقيل لأن رجوع كل أحد إلى ربه سبحانه ليس بمشيئته إذ لا بد منه شاء أم لا والمعلق بالمشيئة الرجوع إلى ثوابه تعالى فإن العبد مختار في الإيمان والطاعة ولا ثواب بدونهما وقيل لتقدم قوله تعالى للطاغين مآبا فإن لهم مرجعا لله تعالى أيضا لكن للعقاب لا للثواب ولكل وجهة إنا أنذرناكم أي بما ذكر في السورة من الآيات الناطقة بالبعث بما فيه وما بعده من الدواهي أو بها وبسائر القوارع الواردة في القرآن العظيم عذابا قريبا هو عذاب الآخرة وقربه لتحقق إتيانه فقد قيل ما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت أو لأنه قريب بالنسبة إليه D أو يقال البرزخ داخل في الآخرة ومبدؤه الموت وهو قريب حقيقة كما لا يخفى على من عرف القرب والبعد وعن قتادة هو عقوبة الذنب لأنه أقرب العذابين وعن مقاتل هو قتل قريش يوم بدر وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى يوم ينظر المرء ما قدمت يداه فإن الظاهر أنه