في الصفات السابقة لأنها صفات تتجتمع في شيء واحد وبينها شدة اتصال يقتضي ترك العطف ووسط العاطف هنا للدلالة على تغاير الصفتين وعدم اجتماعهما في ذات واحدة ولم يؤت بأو قيل : ليكون المعنى أزواجا بعضهن ثيبات وبعضهن أبكار وقريب من ما قيل : وسط العاطف بين الصفتين لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار فتدبر وفي الأنتصاف لابن المنير ذكر لي الشيخ ابن الحاجب أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب كان يعتقد أن الواو في الآية هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية لأنها ذكرت مع الصفة الثامنة وكان الفاضل يتبجح باسترجاعها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة قبله : أحدهما في التوبة التائبون العابدون إلى قوله سبحانه : والناهون عن المنكر والثاني في قوله تعالى : وثامنهم كلبهم والثالث في قوله تعالى : وفتحت أبوابها إلى أن ذكر ذلك يوما بحضرة أبي الجود النحوي المقري فبين له أنه واهم في عددها من ذلك القبيل وأحال على المعنى الذي ذكره الزمخشري من دعاء الضرورة إلى الإتيان بها ههنا لامتناع اجتماع الصفتين في موصوف واحد وواو الثمانية إن ثبتت فإنما ترد بحيث لا حاجة إليها إلا الإشعار بتمام نهاية العدد الذي هو السبعة فأنصفه الفاضل واستحسن ذلك منه وقال : أرشدتنا يا أبا الجود انتهى .
وذكر الجنسان لأن في أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم من تزوجها ثيبا وفيهن من تزوجها بكرا وجاء إنه E لم يتزوج بكرا إلا عائشة رضي الله تعالى عنها وكانت تفتخر بذلك على صواحباتها وردت عليها الزهراء على أبيها وعليها الصلاة والسلام بتعليم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إياها حين افتخرت على أمها خديجة رضي الله تعالى عنها بقولها : إن أمي تزوج بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بكر لم يره أحد من النساء غيرها ولا كذلك أنتن فسكتت يآ أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا أي نوعا من النار وقودها الناس والحجارة تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب ووقاية النفس عن النار بترك المعاصي وفعل الطاعات ووقاية الأهل بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب وروي أن عمر قال حين نزلت : يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا فقال E : تنهوهن عمكا نهاكم الله وتتأمروهن بما أمركم الله به فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار .
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية : علمواأنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم والمراد على ما قيل : ما يشمل الزوجة والولد والعبد والأمة .
واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بعض من أبيه وفي الحديث رحم الله رجلا قال : يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معه في الجنة وقيل : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله .
وقريء وأهلوكم بالواو وهو عطف على الضمير في قوا وحسن العطف للفصل بالمفعول والتقدير عند بعض وليق أهلوكم أنفسهم ولم يرتضه الزمخشري وذكر ما حاصله أن الأصل قوا أنتموأهلوكمأنفسكم وأنفسهم بأن يقي ويحفظ كل منكم ومنهم نفسه عما يوبقها فقدم أنفسكم وجعل الضمير المضاف إليه الأنفس مشتملا على الأهلين تغليبا فشملهم الخطاب وكذا اعتبر التغليب في قوا وفيه