تأتيه على البارى عز اسمه وللإيذان بأنه قام كهيئة يوم مات عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاسدلال وكان ذلك بعد عمارة القرية ففى البحر أنه لما مر له سبعون سنة من موته وقد منعه الله تعالى من السباع والطير ومنع العيون أن تراه أرسل ملكا إلى ملك عظيم من ملوك فارس يقال له : كوسك فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها حتى تعود أحسن مما كانت فانتدب الملك في ثلاثة آلاف قهرمان مع كل قهرمان ألف عامل وجعلوا يعمرونها وأهلك الله تعالى بختنصر ببعوضة دخلت دماغه ونجى الله تعالى من بقى من بنى إسرائيل وردهم إلى بيت المقدس فعمروها ثلاثين سنة وكثروا حتى كانوا كأحسن ما كانوا عليه فعند ذلك أحياه الله تعالى قال استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل : فماذا قال له فقيل قال : كم لبثت ليظهر له العجز عن الإحاطة بشئون الله تعالى على أتم وجه وتنحسم مادة استبعاده بالمرة و كم نصب على الظرفية ومميزها محذوف تقديره كم وقتا والناصب له لبث والظاهر أن القائل هو الله تعالى وقيل : هاتف من السماء وقيل : جبريل وقيل : نبى وقيل : رجل مؤمن شاهده يوم مات وعمر إلى حين إحيائه فيكون الاسناد إليه تعالى مجازا قال لبثت يوما أو بعض يوم قاله بناءا على التقريب والتخمين أو استقصارا لمدة لبثه وقيل : إنه مات ضحى وبعث بعد المائة قبل الغروب فقال قبل النظر إلى الشمس : يوما ثم التفت فرأى بقية منها فقال : أو بعض يوم على الاضراب واعتراض بأنه لا وجه للجزم بتمام اليوم ولو بناءا على حسبان الغروب لتحقق النقصان من أوله قال بل لبثت مائة عام عطف على مقدر أي ما لبثت ذلك القدر بل هذا المقدار فانظر إلى طعامك وشرابك قيل : كان طعامه عنبا أو تينا وشرابه عصيرا أو لبنا لم يتسنه أي لم يتغير في هذه المدة المتطاولة واشتقاقه من السنة وفى لا مها اختلاف فقيل : هاء بدليل سانهت فلانا فهو مجزوم بسكون الهاء وقيل : واو بدليل الجمع على سنوات فهو مجزوم بحذف الآخر والهاء هاء سكت ثبتت في الوقف وفى الوصل لا جرائه مجراه ويجوز أن يكون التسنه عبارة عن مضى السنين كما هو الأصل ويكون عدم التسنة كناية عن بقائه على حاله غضا طريا غير متكرج وقيل : أصله لم يتسنن ومنه الحمأ المسنون أي الطين المتغير ومتى اجتمع ثلاث حروف متجانسة يقلب أحدها حرف علة كما قالوا في تظنيب : تظنيب وفى تقضضت : تقضيت وقد أبدلت هنا النون الأخيرة في رأى ياء ثم أبدلت الياء ألفا ثم جذفت للجازم والجملة المنفية حال وقد جاء مثلها بغير واو خلافا لمن تردد فيه كقوله تعالى : لم يمسسهم سوء و أوحى إلى ولم يوح إليه شيء وصاحبها إما الطعام والشراب وإفراد الضمير لا جرائهما مجرى الواحد كالغذاء وإما الأخير واكتفى بدلالة حاله على حال الأول ويؤيده قراءة عبدالله وهذا شربك لم شربك لم يتسنه وقرأ أبى لم يسنه بإدغام التاءفى السين واستشكل تفرع فانظر على لبث المائة بالفاء وهو يقتضى التغير وأجيب بأن المفرع عليه ليس لبث المائة بل لبث المائة من غير تغير في جسمه حتى ظنه زمانا قليلا ففرع عليه ما هو أظهر منه وهو عدم تغير الطعام والشراب وبقاء الحيوان حيا من غير غذاء وقيل : إن التقدير إن حصل لك عدم طمأنينة في أمر البعث فانظر إلى طعامك وشرابك السريع التغير حتى تعرف أن من لم يغيره يقدر على البعث وفيه نظر لأنه مع كونه خلاف الظاهر بعكر علبه قوله تعالى : وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتفرقت أوصاله وهذا