أشجى لحلوقهم لتحسرهم وقيل : الكرم باعتبار أنه مرضي في بابه فالظل الكريم هو المرضي في برده وروحه وفيه أنه لا يلائم ما هنا لقوله تعالى : لا بارد وجوز أن يكون ذلك نفيا لكرامة من يستروح إليه ونسب إلى الظل مجازا والمراد أنهم يستظلون به وهم مهانون وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة وفي البحر يجوز أن يكونا صفتين ليحموم ويلزم منه وصف الظل بهما وتعقب وصف اليحموم وهو الدخان بذلك ليس فيه كبير فائدة وقرأ ابن أبي عبلة لا بارد ولا كريم برفعهما أي لا هو بارد ولا كريم على حد قوله .
فأبيت لا حرج ولا محروم .
أي لا أنا حرج ولا محروم وقوله تعالى : إنهم كانوا قبل ذلك مترفين .
45 .
- تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب وسلك هذا المسلك في تعليل الأبتداء بالعذاب اهتماما بدفع توهم الظلم في التعذيب ولما كان إيصال الثواب مما ليس فيه توهم نقص أصلا لم يسلك فيه نحو هذا والمترف هنا بقرينة المقام هو المتروك بصنع ما يشاء لا يمنع والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا قبل ما ذكر من العذاب في الدنيا متبعين هوى أنفسهم وليس لهم رادع منها يردعهم عن مخالفة أوامره D وارتكاب نواهيه سبحانه كذا قيل وقيل : هو العاتي المستكبر عن قبول الحق والإذعان له والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا في الدنيا مستكبرين عن قبول ما جاءتهم به رسلهم من الإيمان بالله D وما جاء منه سبحانه وقيل : هو الذي اترفته النعمة أي أبطرته وأطغته وقريب منه ما بل : هو المنعم المنهمك في الشهوات وعليه قول أبي السعود أي أنهم كانوا قبل ما ذكر من سوء العذاب في الدنيا منعمين بأنواع النعم من المآكل والمشارب والمساكن الطيبة والمقامات الكريمة منهمكين في الشهوات فلا جرم عذبوا بنقائضها وتعقب بأن كثيرا من أهل الشمال ليسوا مترفين بالمعنى الذي اعتبره فكيف يصح تعليل عذاب الكل ولا يرد هذا على ما قدمناه من القوليه كما لا يحغى .
ومن الناس من فسر المترف بما ذكر وتفصي عن الأعتراض بأن تعليل عذاب الكل بما ذمر في حيز العلة لا يستدعي أن يكون كل من المذكورات موجودا في كل من أصحاب الشمال بل وجود المجموع في المجموع وهذا لا يضر فيه اختصاص البعض بالبعض فتأمله وقيل : 0 المترف المجعول ذا ترفة أي نعمة واسعة والكل مترفون بالنسبة إلى الحالة التي يكونون عليها يوم القيامة وهو ما فيه لا يظهر أمر التعليل عليه وكانوا يصرون يتشددون ويمتنعون من الإقلاع ويداومون على الحنث أي الذنب العظيم .
46 .
- وفسر بعضهم الحنث بالذنب العظيم لا بمطلق الذنب وأيد بأنه في الأصل العدل العظيم فوصفه بالعظيم للمبالة في وصفه بالعظيم كما وصف الطود وهو الجبل العظيم به أيضا والمراد به كما روي عن قتادة والضحاك وابن زيد وهو الظاهر .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي أن المراد به الكبائر وكأنه جعل المعنى وكانوا يصرون على حنث عظيم وفي رواية عنه أنه اليمين الغموس وظاهره الإطلاق وقال التاج السبكي في طبقاته : سألت الشيخ يعني والده تقي الدين ما الحنث العظيم فقال : هو القسم على إنكار المشار إليه بقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت وهو تفسير حسن لأن الحنث وإن فسر بالذنب مطلقا أو العظيم فالمشهور استعماله في عدم البر في القسم وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى : وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إلى آخره للزوم التكرار وأجيب بأن المراد بالأول