وقالوا إذا لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم إلا قليل فنزلت نصف النهار ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فنسخت وقليل من الآخرين وأبى ذلك الزمخشري فقال : إن الرواية غير صحيحة لأمرين : أحدهما أن الآية الأولى واردة في السابقين والثانية في أصحاب اليمين والثاني أن النسخ في الأخبار غير جائز فإذا أخبر تعالى عنهم بالقلة لم يجز أن يخبر عنهم بالكثرة من ذلك الوجه وما ذكر من عدم جواز النسخ في الأخبار أي في مدلولها مطلقا هو المختار .
وقيل : يجوز النسخ في المتغير إن كان عن مستقل لجواز المحو لله تعالى فيما يقدره والأخبار يتبعه وعلى هذا البيضاوي وقيل : يجوز عن الماضي وعليه الإمام الرازي والآدمي وأما نسخ مدلول الخبر إذا كان مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث العالم فلا يجوز اتفاقا فإن كان ما نحن فيه مما يتغير فنسخه جائز عند البيضاوي ويوافقه ظاهر خبر أبي هريرة الثاني ولا يجوز على المختار الذي عليه الشافعي وغيره فقول صاحب الكشف : لا خلاف في عدم جواز النسخ في مثل ما ذكر من الخبر إذ لا يتضمن حكما شرعيا لا يخلو عن شيء وأقول : قد يتعقب ما ذكره الزمخشري بأن الحديث قد صح وورود الآية الأولى في السابقين والثانية في أصحاب اليمين لا يرد مقتضاه فإنه يجوز أن يقال : إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما سمعوا الآية الأولى حسبوا أن الأمر في هذه الأمة يذهب على هذا النهج فيكون أصحاب اليمين ثلة من الأولين وقليلا منهم فيكثرهم الفائزون بالجنة من الأمم السوالف فحزنوا لذلك فنزل قوله تعالى في أصحاب اليمين : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وقال لهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما قال مما أذهب به حزنهم وليس في هذا نسخ للخبر كما لا يخفى .
وقو أبي هريرة فنسخت وقليل من الآخرين إن صح عنه ينبغي تأويله بأن يقال أراد به فأزالت حسبان أن يذكر نحوه في الفائزين بالجنة من هذه الأمة غير السابقين فتدبر وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : الفرقتان أي في قوله تعالى : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين في أمة كل نبي في صدرها ثلة وفي آخرها قليل وقيل : هما من الأنبياء عليهم السلام كانوا في صدر الدنيا كثيرين وفي آخرها قليلين .
وقال أبو حيان : جاء في الحديث الفرقتان في أمتي فسابق أول الأمة ثلة وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل انتهى وجاء في فرقتي أصحاب اليمين نحو ذلك أخرج مسدد في مسنده وابن المنذر والطبراني وابن مردويه بسند حسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله سبحانه : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال : هما جميعا من الأمة وأخرج جماعة بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا ما لفظه هما جميعا من أمتي وعلى هذا يكون الخطاب في قوله D : وكنتم أزواجا ثلاثة لهذه الأمة فقط على سرر موضونة حال من المقربين أو من ضميرهم في قوله تعالى : في جنات النعيم بناءا على أنه في موضع الحال كما تقدم وقيل : هو خبر آخر للضمير المحذوف المخبر عنه أولا بثلة وفيه وجه آخر أشرنا إليه فيما مر وموضونة من الوضن وهو نسج الدرع قال الأعشى : ومن نسج داود موضونة تسير مع الحي عيرا فعيرا واستعير لمطلق النسج أو لنسج محكم مخصوص ومن ذلك وضين الناقة وهو حزامها لأنه موضون أي مفتول والمراد هنا على ما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس مرمولة أي منسوجة بالذهب وفي رواية عنه بقضبان الفضة وقال عكرمة : مشبكة بالدر والياقوت وقيل : موضونة متصل بعضها ببعض كحلق الدرع والمراد متقاربة وقرأ زيد بن علي وأبو السمال سرر بفتح الراء وهي لغة لبعض تميم وكلب يفتحون