بكونهم فيها بعد الأخبار مقربين ليس فيه مزيد مزية وأجيب بأن الإخبار الأول للأشارة إلى اللذ الروحانية والإخبار الثاني للإشارة إلى اللذة الجسمانية .
وقرأ طلحة في جنة النعيم بالإفراد وقوله تعالى : ثلة من الأولين .
13 .
- خبر مبتدأ مقدر أي هم ثلة الخ وجوز كونه مبتدأ خبره محذوف أي منهم أو خبرا أولا أو ثانيا لأولئك وجوز أبو البقاء كونه مبتدأ والخبر على سرر والثلة في المشهور الجماعة كثرت أو قلت وقال الزمخشري : الأمة من الناس الكثيرة وأنشد قوله : وجاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد وقوله تعالى بعد : وقليل الخ كفى به دليلا على الكثرة انتهى والظاهر أنه أنشد البيت شاهدا لمعنى الكثرة في الثلة فإن كانت الباء تجريدية وهو الظاهر فنص وإلا فالأستدلال عليها من أن المقام مقام مبالغة ومدح وأما استدلاله بما بعد فذلك لأن التقابل مطلوب لأن الثلة لم توضع للقليل بالإجماع حتى يحمل ما بعد على التفنن بل هي إما للكثرة والإشتقاق عليها أدل لأن الثل بمعنى الصب وبمعنى الهدم بالكلية والثلة بالكسر الضأن الكثيرة وإما لمطلق الجماعة كالفرقة والقطعة من الثل بمعنى الكسر كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم إلا أن لاستعمال غلب على الكثير فالمعنى جماعة كثير من الأولين وهم الناس المتقدمون من لدن آدم إلى نبينا عليهما الصلاة والسلام وعلى من بينهما من الأنبياء العظام وقليل من الآخرين .
14 .
- وهم الناس من لدن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قيام الساعة ولا يخالفه قوله E : إن أمتي يكثرون سائر الأمم أي يغلبونهم في الكثرة لأن أكثرية سابقي الماقدمين من سابقي هذه الأمة لا تمنع أكثرية تابعي هؤلاء من تابعي أولئك .
وحاصل ذلك غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ومائمة من العوام وأخرى فيها خمسة من العلماء وألف من العوام فخواص الأولى أكثر من خواص الثانية وعوام الثانية ومجموع أهلها أضعاف أولئك لا يقال يأبى أكثرية تابعي هؤلاء قوله تعالى : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فإنه في حق أصحاب اليمين وهم التابعون وقد عبر في كل بالثلة أي الجماعة الكثيرة لأنا نقول لا دلالة في الآية على أكثر من وصف كل من الفريقين بالكثرة وذلك لا ينافي أكثرية أحدهما فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم والمراد بالأمم ما يدخل فيه الأنبياء وحينئذ لا يبعد أن يقال : كثرة سابقي الأولين ليسن بأنبيائهم فما على سابقي هذه الأمة بأس إذا أكثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام وأخرج الإمام أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني وظاهره أنه شق عليهم قلة من وصف بها وأن الآية الثانية أزالت ذلك ورفعته وأبدلته بالكثرة ويدل على ذلك ما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم