و المقربون من القربة بمعنى الخطوة أي أولئك الموصوفون بذلك النعت الجليل الذين أنيلوا خطوة ومكانة عند الله تعالى وقال غير واحد : المراد الذين قربت إلى العرش درجاتهم .
هذا وفي الإرشاد الذي تقتضيه جزالة التنزيل أن قوله تعالى : فأصحاب الميمنة خير مبتدأ محذوف وكذا قوله سبحانه : وأصحاب المشأمة وقوله جل شأنه : والسابقون فإن المترقب عند بيان الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام .
وأما أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ذلك بإسنادها إليها والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة والآخر أصحاب المشأمة والثالث السابقون خلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأولين عقب كلا منهما بجملة معترضة بين القسمين منبئة عن ترامي أحوالهما في الخير والشر إنبائا إجماليا مشعرا بأن لأحوال كل منهما تفصيلا مترقبا لكن لا على أن ما الأستفهامية مبتدأ وما بعدها خبر على ما رآه سيبويه في أمثاله على أنها خبر لما بعدها فغن مناط الإفادة بيان أن أصحاب الميمنة أمر بديع كما يفيده كون ما خبرا لا بيان أن أمرا بديعا أصحاب الميمنة كما يفيده كونها مبتدأ وكذا الحال في ما أصحاب المشأمة وأما القسم الأخير فحيث قرن به بيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذج فقوله تعالى : السابقون مبتدأ والإظهار في مقام الأضمار للتفخيم و أولئك مبتدأ ثان أو بدل من الأول وما بعده خبر له أو للثاني والجملة خبر للأول انتهى وقيل عليه : إنه ليس في جعل جملتي الأستفهام وقوله سبحانه : السابقون إخبارا لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلا حتى يقال : حقها أن تبين بعد أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام مع إشارة إلى ترامي أحوالها في الخير والشر والتعجيب من ذلك .
وأيضا مقتضى ما ذكره أن لا يذكر ما أصحاب اليمين و ما أصحاب الشمال في التفصيل وتعقب هذا بأن الذكر محتاج إلى بيان نكتة على الوجه الدائر على ألسنتهم كاحتياجه إليه هلى هذا الوجه ولعلها عليه أنه لما عقب الأولين بما يشعر بأن لأحوال كل تفاصيل مترقبة أعيد ذلك للأعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع والذي يتبادر للنظر الجليل ما في الإرشاد من كون أصحاب الميمنة وكذا كل من الأخيرين خبر مبتدأ محذوف كما سمعت لأن المتبادر بعد بيان الأنقسام ذكر نفس الأقسام على أن تكون هي المقصودة أولا وبالذات دون الحكم عليها وبيان أحوالها مطلقا وإن تضمن ذلك ذكرها لكن ما ذكروه أبعد مغزى ومع هذا لا يتعين على ما ذكر كون تينك الجملتين الأستفهاميتين معترضتين بل يجوز أن يكون كل منهما صفة لما قبلها بتقدير القول كأنه قيل : فأحدها أصحاب الميمنة المقول فيهم ما أصحاب الميمنة وكذا يقال في وأصحاب المشأمة الخ ويجعل أيضا السابقون صفة للسابقون قبله والتأويل في الوصفية كالتأويل في الخبرية ويكون الوصف بذلك قائما مقام تينك الجملتين في المدح والجملة بعد مستأنفة استئنافا بيانيا كما في الوجه الشائع وما يقال : إن في هذا الوجه حذف الموصول مع بعض أجزاء الصلة يجاب عنه بمنع كون أل في الوصف حيث لم يرد منه الحدوث فتأمل ولا تغفل وقوله تعالى : في جنات النعيم .
12 .
- متعلق بالمقربين أو بمضمر هو حال من ضميره أي كائنين في جنات النعيم وعلى الوجهين فيه إشارة إلى أن قربهم محض لذة وراحة لا كقرب خواص الملك بأشغاله عنده بل كقرب جلسائه وندمائه الذين لا شغل لهم ولا يرد عليهم أمر أو نهي ولذا قيل : في جنات النعيم دون جنات الخلود ونحوه وقيل : خبر ثان لاسم الإشارة وتعقب بأن الأخبار