آلف مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود وهو خلاف الظاهر وليس فيه كثير إعتبار إذ ورود الموت دفعة كما ينبيء عنه قوله تعالى : فقال لهم الله موتوا على جمع عظيم أبلغ في الإعتبار وأما وقوعه على قوم بينهم ألفة فهو كوقوعه على غيرهم ومثل هذا القول بأن المراد ألفهم وحبهم لديارهم أو لحياتهم الدنيا والمراد بقوله تعالى إما ظاهره وإما مجاز عن تعلق إرادته تعالى بموتهم دفعة وقيل : هو تمثيل لإماتته تعالى إياهم ميتة نفس واحدة في أقرب وقت وأدناه وأسرع زمان وأوحاه بأمر مطاع لمأمور مطيع وقيل : ناداهم ملك بذلك وعن السدي أن المنادي ملكان وإنما أسند إليه تعالى تخويفا وتهويلا ثم أحياهم عطف على مقدر يستدعيه المقام أي فماتوا ثم أحياهم قيل : وإنما حذف للدلالة على الإستغناء عن ذكره لإستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته الكونية وجوز أن يكون عطفا علىقاللما أنه عبارة عن الأماتة والمشهور أنهم بقوا موتى مدة حتى تفرقت عظامهم فمر بهم حزقيل الشهير بإبن العجوز خليفة كالب بن يوفنا خليفة يوشع بن نون وقيل شمعون وروى ذلك عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال وهب : إنه شموئيل وهو ذو الكفل وقيل : يوشع نفسه فوقف متعجبا لكثرة ما يرى منهم فأوحى الله تعالى إليه أن ناد أيتها العظام أن الله تعالى سأمركم أن تجتمعي فأجتمعت حتى ألتزق بعضها ببعض فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم ثم أوحى الله تعالى إليه أن ناد أيتها الأجسام أن الله تعالى يأمرك أن تكتسي لحما فأكتست لحما ثم أوحى الله تعالى إليه أن ناد أن الله تعالى يأمرك تقومي فبعثوا أحياء يقولون سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لا آله إلا أنت والروايات في هذا الباب كثيرة .
والظاهر أنهم لم يروا في هذا الموت من الأهوال والأحوال ما يصير بها معارفهم ضرورية ويمنع من صحة التكليف بعد الإحياء كما في الآخرة ويمكن أن يقال أنهم رأوا ما يراه الموتى إلا أنهم أنسوه بعد العودة والقادر على الإماتة والإحياء قادر على الإنساء وسبحان من لا يعجزه شيء وعلى كلا التقديرين لا يشكل موت هؤلاء في الدنيا مرتين مع قوله تعالى : لا يذوقون فيها الموت الآية لأن ذلك لم يكن عن إستيفاء آجالكما قال مجاهدوإنما هو موت عقوبة فكأنه ليس بموت وأيضا هو من خوارق العادات فلا يرد نقضا ومن الناس من قال : إن هذا لم يكن موتا كالموت الذي يكون وراءه الحياة للنشور وإنما هو نوع إنقطاع تعلق الروح عن الجسد بحيث يلحقه التغير والفساد وهو فوق داء السكتة والإغماء الشديد حتى لا يشك الرائي الحاذق لو رآه بإنقطاع التعلق أصلا ولم يعلم أنه قد بقى تعلق ما لكنه لم يصل إلى حد الحياة المعلومة لدينا ولعل هذا القول يعود بالآخرة إلى إنقسام الموت أو إلى أن إطلاق الموت على ما ذكر مجاز وكلا الأمرين في القلب منهما شيء بل أشياء .
وقد ذهب إلى مثله إبن الراوندي في جميع الأموات فقال : إن الأرواح لا تفارق الأبدان أصلا وإنما يحدث في الأبدان عوارض وعلل يحدث تفرق الأجزاء منها كما يحدث للمجذومين والروح كامنة في الأجزاء المتفرقة أينما كانت لكونها عرية عن الإحساس والإدراك وهو مذهب تحكم الضرورة برده عافانا الله تعالى والمسلمين عن إعتقاد مثله إن الله لذو فضل على الناس جميعا أما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا فيفوزوا بالسعادة وأما الذين سمعوا فقد هداهم إلى الإعتبار وهذا كالتعليل لما تقدم ولكن أكثر الناس لا يشكرون 342 إستدراك مما تضمنه ما قبله والتقدير فيجب عليهم أن يشكروا فضله ولكن إلخ وجوز أن يراد بالشكر الإستبصار والإعتبار ولا يخفى بعده والإظهار في مقام الإضمار لمزيد التشنيع ومناسبة هذه لما قبلها أنه سبحانه لما ذكر جملا من الأحكام