فالإمساك في الرجعي والتسريح في غيره وإذا كان معنىمرتينالتفريق مع التثنية كما قال به المحققون بناءا على أنه حقيقة في الثاني ظاهر في الأول إذ لا يقال لمن دفع إلى آخر درهمين مرة واحدة أنه أعطاه مرتين حتى يفرق بينهما وكذا لمن طلق زوجته ثنتين دفعة أنه طلق مرتينإندفع حديث إرتكاب خلاف الظاهر في التثنية كما هو ظاهر وفيما بعدها أيضا لصحة الترتب ويكون عدم جواز الجمع بين التطليقتين مستفادا من مرتان الدالة على التفريق والتثنية وعدم الجمع بين الثالثة مستفادا من قوله سبحانه : أو تسريح حيث رتب على ما قبله بالفاء قيل : إنه المستفاد من دلالة النص هذا ثم من أوجب التفريق ذهب إلى أنه لو طلق غير مفرق وقع طلاقه وكان عاصيا وخالف في ذلك الإمامية وبعض من أهل السنةكالشيخ أحمد بن تيمية ومن أتبعهقالوا : لو طلق ثلاثا بلفظ واحد لا يقع إلا واحدة إحتجاجا بهذه الآية وقياسا على شهادات اللعان ورمي الجمرات فإنه لو أتى بالأربع بلفظ واحد لا تعد له أربعا بالإجماع وكذا لو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة لم يجزه إجماعا ومثل ذلك ما لو حلف ليصلين على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ألف مرة فقال صلى الله تعالى على النبي ألف مرة فإنه لا يكون بارا ما لم يأت بآحاد الألف وتمسكا بما أخرجه مسلم وأبو داؤد والنسائي والحاكم والبيهقي عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة فقال عمر : إن الناس قد أستعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه .
وذهب بعضهم إلى أن مثل ذلك ما لو طلق في مجلس واحد ثلاث مرات فإنه لا يقع إلا واحدة أيضا لما أخرج البيهقي عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : طلق ركانة أمرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف طلقتها طلقتها ثلاثا قال : في مجلس واحد قال : نعم قال : فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت فراجعها والذي عليه أهل الحق اليوم خلاف ذلك كله .
والجواب عن الإحتجاج بالآية أنها كما علمت ليست نصا في المقصود وأما الحديث فقد أجاب عنه جماعة قال السبكي : وأحسن الأجوبة إنه فيمن يعرف اللفظ فكانوا أولا يصدقون في إرادة التأكيد لديانتهم فلما كثرت الأخلاط فيهم أقتضت المصلحة عدم تصديقهم وإيقاع الثلاث وأعترضته العلامة إبن حجر قائلا : إنه عجيب فإن صريح مذهبنا تصديق مريد التأكيد بشرطه وإن بلغ في الفسق ما بلغ ثم نقل عن بعض المحققين أن أحسنها أنهم كانوا يعتادونه طلقة ثم في زمن عمر رضي الله تعالى عنه أستعجلوا وصاروا يوقعونه ثلاثا فعاملهم بقضيته وأوقع الثلاث عليهم فهو إخبار عن إختلاف عادة الناس لا عن تغيير حكم في مسألة وأعترض عليه بعدم مطابقته للظاهر المتبادر من كلام عمر لا سيما مع قول إبن عباس رضي الله تعالى عنهما : الثلاث إلخ فهو تأويل بعيد لا جواب حسن فضلا عن كونه أحسن ثم قال : والأحسن عندي أن يجاب بأن عمر رضي الله تعالى عنه لما أستشار الناس علم فيه ناسخا لما وقع قبل فعمل بقضيته وذلك الناسخ إما خبر بلغه أو إجماع وهو لا يكون إلا عن نص ومن ثم أطبق علماء الأمة عليه وأخبار إبن عباس لبيان أن الناسخ إنما عرف بعد مضي مدة من وفاته إنتهى وأنا أقول الطلاق الثلاث في كلام إبن عباس رضي الله تعالى عنهما يحتمل أن يكون بلفظ واحد وحينئذ يكون الإستدلال به على المدعي ظاهرا ويؤيد هذا الإحتمال ظاهرا ما أخرجه أبو داؤد عنه إذا قال الرجل لأمرأته أنت طالق ثلاثا بفم واحدة فهي واحدة وحينئذ يجاب بالنسخ ويحتمل أن يكون بألفاظ ثلاثة في مجلس واحد مثل أنت طالق أنت طالق أنت طالق ويحمل ما أخرجه أبو داؤد على هذا بأن