الشيخان في قصة إبن عمر رضي تعالى عنهما لضعفه لأن فيه مظاهرا ولم يعرف له سواه لا يخلو عن بحث أما أولا فلما علمت أن ذلك الحديث ليس بنص في المدعي وأما ثانيا فلأن تعليل تضعيف مظاهر غير ظاهر فإن إبن عدي أخرج له حديثا آخر ووثقه إبن حبان وقال الحاكم : ومظاهر شيخ من أهل البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح فإذا إن لم يكن الحديث صحيحا كان حسنا ومما يصحح الحديث عمل العلماء على وفقه قال الترمذي عقيب روايته : حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وغيرهم وفي الدارقطني قال القاسم وسالم : وعمل به المسلمون وقال مالك : شهرة الحديث تغني عن سنده كذا في الفتح ومن أصحابنا من أستدل بأنه لو كان المراد من القرء الطهر لزم إبطال موجب الخاص أعني لفظ ثلاثة فإنه حينئذ تكون العدة طهرين وبعض الثالث في الطلاق المشهور ولا يخفى أنه كأمثاله في هذا المقام ناشيء من قلة التدبر فيما قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فلهذا أعترضوا به عليه لأنه إنما جعل القرء الإنتقال من الطهر إلى الحيض أو الطهر المنتقل منه لا الطهر الفاصل بين الدمين والإنتقال المذكور أو الطهر المنتقل منه تام على أن كون الثلاثة أسما لعدد كامل غير مسلم والتحقيق فيه أنه إذا شرع في الثالث ساغ الإطلاق ألا تراهم يقولون هو إبن ثلاث سنين وإن لم تكمل الثالثة وذلك لأن الزائد جعل فردا مجازا ثم أطلق على المجموع أسم العدد الكامل ومن الشافعية من جعل القرء أسما للحيض الذي يحتوشه دمان وجعل إطلاقه على بعض الطهر وكله كإطلاق الماء والعسل قالوا : والإشتقاق مرشد إلى معنى الضم والإجتماع وهذا الطهر يحصل فيه إجتماع الدم في الرحم وبعضه وكله في الدلالة على ذلك على السواء وأطالوا الكلام في ذلكوالإمامية وافقوهم فيه وأستدلوا عليه برواياتهم عن الأئمة والرواية عن علي كرم الله تعالى وجهه في هذا الباب مختلفة وبالجملة كلام الشافعية في هذا المقام قوي كما لا يخفى على من أحاط بأطراف كلامهم وأستقرأ ما قالوه وتأمل ما دفعوا به أدلة مخالفيهم وفي الكشف بعض الكشف وما في الكشاف غير شاف لبغيتنا وهذا المقدار يكفي أنموذجا .
هذا وكان القياس ذكر القرء بصيغة القلة التي هي الإقراء ولكنهم يتوسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من البناءين مكان الآخر ولعل النكتة المرجحة لإختياره ههنا أن المراد بالمطلقات ههنا جميع المطلقات ذوات الإقراء الحرائر وجميعها متجاوز فوق الشعرة فهي مستعملة مقام جمع الكثرة ولكل واحدة منها ثلاثة أقراء فيحصل في الإقراء الكثرة فحسن أن يستعمل جمع الكثرة في تمييز الثلاثة تنبيها على ذلك وهذا كما أستعمل أنفسهن مكان نفوسهن للإشارة إلى أن الطلاق ينبغي أن يقع على القلة ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال إبن عمر : الحمل والحيض أي لا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها ولا إن كانت حائضا أن تكتم حيضها فتقول وهي حائض : قد طهرت وكن يفعلن الأول لئلا ينتظر لأجل طلاقها أن تضع ولئلا يشفق الرجل على الولد فيترك تسريحها والثاني إستعجالا لمضي العدة وإبطالا لحق الرجعة وهذا القول هو المروي عن الصادق والحسن ومجاهد وغيرهم والقولبأن الحيض غير مخلوق في الرحم بل هو خارج عنهفلا يصح حمل ما على عمومها بل يتعين حملها على الولد وهو المروي عن إبن عباس وقتادة مدفوع بأن ذات الدم وإن كان غير مخلوق في الرحم لكن الإتصاف بكونه حيضا إنما يحصل له فيه وما قيل : إن الكلام في المطلقات ذوات الإقراء فلا يحتمل خلق الولد في أرحامهن فيجب حمل ما على الحيض كما حكى عن عكرمة فمدفوع أيضا بأن تخصيص العام