تارة بواسطة وأخرى بدونها إما إلهاما وإما خطابا أو إما عيانا وإما خطابا من وراء حجاب على ما يقتضيه الأختلاف السابق في تفسير الآية وكذلك أي ومثل هذا الأيحاء البديع على أن الأشارة لما بعد أوحينا إليك روحا من أمرنا وهو ما أوحي إليه E أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية وقيل : أي ومثل الأيحاء المشهور لغيرك أوحينا إليك وقيل : أي ومثل الأيحاء المفصل أوحينا إليك إذ كان E اجتمعت له الطرق الثلاث سواء فسر الوحي بالالقاء أم فسر بالكلام الشفاهي وقد ذكر أنه E قد ألقى إليه في المنام كما ألقى إلى إبراهيم E وألقى إليه E في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه السلام .
ففي الكبريت الأحمر للشعراني نقلا عن الباب الثاني من الفتوحات المكية أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أعطى القرآن مجملا قبل جبريل عليه السلام من غير تفصيل الآيات والسور وعن ابن عباس تفسير الروح بالنبوة .
وقال الربيع : هو جبريل عليه السلام وعليه فأوحينا مضمن معنى أرسلنا والمعنى أرسلناه بالوحي إليك لأنه لا يقال : أوحي الملك بل أرسله .
ونقل الطبرسي عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يصعد إلى السماء وهذا القول في غاية الغرابة ولعله لا يصح عن هذين الأمامين وتنوين روحا للتعظيم أي روحا عظيما ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان الظاهران أن ما الأولى نافية والثانية استفهامية في محل رفع على الأبتداء و الكتاب خبر والجملة في موضع نصب بتدري وجملة ما كنت الخ حال من ضمير أوحينا أو هي مستأنفة والمضي بالنسبة إلى زمان الوحي .
واستشكلت الآية بأن ظاهرها يستدعي عدم الأتصاف بالايمان قبل الوحي ولا يصح ذلك لأن الأنبياء عليهم السلام جميعا قبل البعثة مؤمنون لعصمتهم عن الكفر باجماع من يعتد به وأجيب بعدة أجوبة الأول أن الأيمان هنا ليس المراد به التصديق المجرد بل مجموع التصديق والاقرار والاعمال فإنه كما يطلق على ذلك يطلق على هذا شرعا ومنه قوله تعالى : وما كان الله ليضيع ايمانكم والأعمال لا سبيل إلى درايتها من غير سمع فهو مركب والمركب ينتفي بانتفاء أجزائه فلا يلزم من انتفاء الأيمان المركب بانتفاء الأعمال انتفاءالأيمان بالمعنى الآخر أعني التصديق وهو الذي أجمع العلماء على اتصاف الأنبياء عليهم السلام به قبل البعثة ولذا عبر بتدري دون أن يقال : لم تكن مؤمنا وهو جواب حسن ولا يلزمه نفي الايمان عمن لا يعمل الطاعات ليكون القول به اعتزالا كمالا يخفى .
الثاني أن الايمان إنما يعني به التصديق بالله تعالى وبرسوله E دون التصديق بالله D ودونما يدخل فيه الأعمال والنبيص مخاطب بالايمان برسالة نفيه كما أن أمته صلى الله تعالى عليه وسلم مخاطبون بذلك ولا شك أنه قبل الوحي لم يكن E يعلم أنه رسول الله وما علم ذلك إلا بالوحي فإذا كان الايمان هو التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم ولم يكن هذاالمجموع ثابتا قبل الوحي بل كان الثابت هو التصديق بالله تعالى خاصة على اتصاف الأنبياء عليهم السلام به قبل البعثة استقام نفي الأيمان قبل الوحي وإلى هذا ذهب ابن المنير الثالث أن المراد شرائع الأيمان ومعالمه مما لا طريق إليه إلا السمع وإليه ذهب محي السنةالبغوي وقال : إن النبي A كان قبل الوحي على دين إبراهيم عليه السلام ولم تتبين له عليه الصلاة