بأول بالواو كما لا يخفى ولزوم أن لا يكون الواقع من وراء حجاب وحيا غير مسلم لأنه إن أراد أن لا يكون وحيا مطلقا فغير صحيح لأن قوله تعالى بعده فيوحي بأذنه قرينة على أن المراد بالوحي السابق وحي مخصوص كالذي بعده وإن أراد أنه لا يكون من الوحي المخصوص السابق فلا يضره لأنه عين ما عناه نعم الحصر على ما ذهب إليه القاضي غير ظاهر إلا بعد ملاحظة أنه مخصوص بما بما كان بالكلام فتدبر والظاهر أن عائشة رضي الله تعالى عنها حملت الآية على نحو ما حملها المعتزلة أخرج البخاري وسلم والترمذي عنها أنها قالت : من زعم أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وأنت تعلم أن أكثر العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلّم رأى ربه سبحانه ليلة الأسراء لكثرة الروايات المصرحة بالرؤية نعم ليس فيها التصريح بأنها بالعين لكن الظاهر من الرؤية كونها بها والمروي عن الأشعري وجمع من المتكلمين أنه جل شأنه كلمه E تلك الليلة بغير واسطة ويعزى ذلك إلى جعفر بن محمد الباقر وابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم وهو الظاهر للأحاديث الصحاح في مرادة الصلاة واستقرار الخمسين على الخمس وغير ذلك وعائشة رضي الله تعالى عنها لم تنف إلا اعتمادا على الأستنباط من الآيات ولو كان معها خبر لذكرته واحتجاجها بما ذكر من الآيات غير تام أما عدم تمامية احتجاجها بأن لا تدركه الأبصار فمشهور وأما عدم تمامية الأحتجاج بالآية الثانية فلما سمعت عن صاحب الكشف قدس سره وقال الخفاجي بعد تقدير الأحتجاج بأنه تعالى حصر تكليمه سبحانه للبشر في الثلاثة : فإذا لم يره جل وعلا من يكلمه سبحانه في وقت الكلام لم يره D في غيره بالطريق الأولى وإذا لم يره تعالى هو أصلا لم يره سبحانه غيره إذ لا قائل بالفصل وقد أجيب عنه في الأصول بأنه يحتمل أن يكون المراد حصر التكليم في الدنيا في هذه الثلاثة أو تقول بجوز أن تقع الرؤية حالا لتكليم وحيا إذا الوحي كلام بسرعة وهو لا ينافي الرؤية انتهى ولا يخفى عليك أن الجواب الأول لا ينفع فيما نحن بصدده إلا بالتزام أن ما وقع لنبينا E تلك الليلة لا يعد تكليما في الدنيا على ما ذكره الشرنبلاني في إكرام أولي الألباب لأنه كان في الملكوت الأعلى وأنه يستفاد من كلام صاحب الكشف منع ظاهر للشرطية في وجه الأستدلال الذي قرره وبعضهم أجاب بأن العام مخصص بغير ما دليل وفي البحر قيل قالت قريش ألا تكلم الله تعالى وتنظر إليه إن كنت نبيا صادقا كما كلم جل وعلا موسى ونظر إليه تعالى فقال لهم الرسول A لم ينظر موسى عليه السلام إلى الله D فنزلت وماكان لبشر الآية وهذا ظاهر في أن الآية لم تتضمن التكليم الشفاهي مع الرؤية وكذا ما فيه أيضا كان من الكفار خوض في تكليم الله تعالى موسى عليه السلام فذهبت قريش واليهود في ذلك إلى التجسيم فنزلت فأن عدم تضمنها ذلك أدفع لتوهم التجسيم وبالجملة الذي يترجح عندي ما قاله صاحب الكشف قدس سره أن الآية لا تنفع منكر الرؤية ولا مثبتها وما ذكر من سبب النزول ليس بمتيقن الثبوت ويفهم من كلام بعضهم أن الوحي كما يكون بالألقاء في الروع يكون بالخط فقد قال النخعي كان في الأنبياء عليهم السلام من يخط له في الأرض ومعناه اللغوي يشمل ذلك قال الأمام أبو عبد الله التيمي الأصبهاني : الوحي أصله التفهيم وكل ما فهم به شيء من الألهام والأشارة والكتب فهو وحي وقال الراغب : أصل الوحي الأشارة السريعة ولتضمن السرعة قيل أمر وحي وذلك يكون بالكلام على الرمز والتعريض وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وباشارة ببعض الجوارح وبالكتابة وقد حمل على ذلك قوله تعالى : فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة فقد