الملائكة الذين كلمهم الله تعالى في قضية خلق آدم عليه السلام ونحوهم وهو المراد بقوله سبحانه أو من وراء حجاب فإنه تمثيل له سبحانه بحال الملك المحتجب الذي يكلم بعض خواصه من وراء حجاب يسمع صوته ولا يرى شخصه والثالث إرسال الملك كالغالب من حال نبينا صلى الله عليه وسلّم وهو حال كثير من الأنبياء عليهم السلام وزعم أنه من خصوصيات أولي العزم من المرسلين غير صحيح وهو المراد بقوله D : أو يرسل رسولا أي ملكا فيوحي ذلك السول إلى المرسل إليه الذي هو الرسول البشري بإذنه أي بأمره تعالى وتيسيره سبحانه ما يشاء أن يوحيه وهذا يدل على أن المراد من الأول الوحي من الله تعالى بلا واسطة لأن إرسال الرسول جعل فيه إيحاء ذلك الرسول وبنى المعتزلي على هذاالحصر أن الرؤية غير جائزة لأنها لو صحت لصح التكليم مشافهة فلم يصح الحصر وقال بعض : المراد حصر التكليم في الوحي بالمعنى المشهور والتكليم من وراء حجاب وتكليم الرسل البشري ينمع أممهم واستبعد بأن العرف لم يطرد في تسمية ذلك إيحاء وقال القاضي إن قوله تعالى إلا وحيا معناه إلا كلاما خفيا يدرك بسرعة وليس في ذاته مركبا منحروف مقطعة وهو ما يعم المشافهة كما روي في حديث المعراج وما وعد به حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى عليه السلام في الطور لكن عطف قوله تعالى : أو من وراء حجاب عليه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها وإلى الأول ذهب الزمخشري وانتصر له صاحب الكشف عفا الله تعالى عنه فقال : وأما نحن فنقول والله تعالى أعلم : إن قوله تعالى : وماكان لبشر على التعميم يقتضي الحصر بوجه لا يخص التكلم بالأنبياء عليهم السلام ويدخل فيه خطاب مريم وما كان لأم موسى وما يقع للمحدثين من هذه الأمة وغيرهم فحمل الوحي على ما ذهب إليه الزمخشري أولى ثم أنه يلزم القاضي أن لا يكون ما وقع من وراء حجاب وحيا لا أنه يخصصه لأنه نظير قولك : ماكان لك أن تنعم إلا على المساكين وزيد نعم يحتمل أن يكون زيدا داخلا فيهم على نحو ملائكته وجبريل وهذا يضرالقاضي لاقتضائه أن يكون هذا القسم أعني ما وقع من وراء حجاب أعلاالمراتب فلا يكون الثاني هو المشافهة وتقدير إلا وحيا من غير حجاب أو منوراء حجاب خلاف الظاهر وفيه فك للنظم لقوله سبحانه : أو يرسل وهو عطف على قوله تعالى : إلا وحيا مع كونه خلاف الظاهر .
وعلى هذا يفسد ما بني عليه من حديث التنزل من القسم الأعلىإلى ما دونه ومع ذلك لا يدل على عدم وقوع الرؤية فضلا عن جوازه بل دل على أنها لو وقعت لم يكن معها المكالمة وذلك هو الصحيح لأن الرؤية تستدعي الفناء والبقاءبه D وهو يقتضي رفع حجاب المخاطب المستدعي كونا وجوديا ثم الكامل لتوفيته حق المقامات الكبرى يكون المحتظي منه بالشهود في مقام البقاء المذكور ومع ذلك لا يمنعه عن حظه ذمن سماع الخطاب لأنه حظ القلب المحجوب عن مقام الشهود والمقصود أن الذي يصح ذوقا ونقلا وعقلا كون الخطاب من وراء حجاب البتة وهو صحيح لكن لا ينفع منكر الرؤية ولا مثبتها وأما سؤال الترقي في الأقسام فالجواب عنه أن الترقي حاصل بين الأول والثاني الذي له سمي الكليم كليما وأما الثالث فلما كان تكليما مجازيا أخر عن القسمين ولم ينظر إلى أنه أشرف من القسم الأول فإن ذلك الأمر غير راجع إلى التكليم بل لأنه مخصوص بالأنبياء عليهم السلام انتهى .
وتعقب ما اعترض به على القاضي بأنه لا يرد لأن الوحي بذلك المعنى بالتخصيص المذكور والتقييد المأخوذ من التقابل صار مغايرالما بعده وليس من شيء من القبيلين حتى يذهب إلى الترقي أو التدلي لأنه لا يعطف