الصلاة والسلام إلى الأفتراء ثم إلى الأفتراء على الله D الذي هو أعظم الفرى وأفحشها لا تحترق ألسنتهم .
وفي ذلك أتم دلالة على بعده صلى الله تعالى عليه وسلم من الأفتراء كيف وقد أردف بقوله تعالى : فإن يشأ الله يختم على قلبك فإن هذا الأسلوب مؤاده استبعاد الأفتراء من مثله E وأنه في البعد مثل الشرك بالله سبحانه والدخول في جملة المختوم على قلوبهم فكأنه قيل : فإن يشأ الله سبحانه يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب فإنه لا يجتريء على افتراء الكذب على الله تعالى إلا من كان في مثل حالهم وهو في معنى فإن يشأ يجعلك منهم لأنهم هم المفترون الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى وما أحسن هذاالتعريض بأنهم المفترون وأنهم في نفس هذه المقالة عن افترائهم مفترون ونظير الآية فيما ذكر قول أمين نسب إلى الخيانة : لعل الله تعالى خذلني لعل الله تعالى أعمى قلبي وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمي القلب وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم فالكلام تعليل لأنكار قولهم وأتى بأن مع أن عدم مشيئته تعالى مقطوع به قيل إرخاء للعنان وقيل : إشعار بعظمته تعالى وأنه سبحانه غني عن العالمين ثم ذيل بقوله تعالى : ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته تأكيدا للمفهوم من السابق من أنه ليس من الأفتراء في شيء أي كيف يكون افتراء ومن عادته تعالى محو الباطل ومحقه وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه وما أتى به E يزداد كل يوم قوة ودحوا فلو كان مفتريا كما يزعمون لكشف الله تعالى افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه .
والفعل المضارع للأستمرار والكلام ابتدائي فيمح مرفوع لا مجزوم بالعطف على يختم وأسقطت الواو في الرسم في أغلب المصاحف تبعا لأسقاطها في اللفظ لالتقاء الساكنين كما في سندع الزبانية ويدع الأنسان بالشر وكان القياس إثباتها رسما لكن رسم المصحف لا يلزم جريه على المقياس ويؤيد الأستئناف دون العطف على يختم إعادة الاسم الجليل ورفع يحق وهذا ما ذكره جار الله في الجملتين وبيان ارتباطهما بما قبلهما وقد دقق النظر في ذلك وأتى بما استحسنه النظار حتى قال العلامة الطيبي : لو لم يكن في كتابه إلا هذا لكفاه مزية وفضلا وجوز هو أيضا في قوله تعالى : ويمح الخ أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنصر أي يمحو الله تعالى باطلهم ومابهتوك به ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مرد له وحينئذ يكون اعتراضا يؤكد ما سبق له الكلام من كونهم مبطلين في هذه النسبة إلى من هو أصدق الناس لهجة بأصدق حديث من أصدق متكلم وقال في إرشاد العقل السليم في الجملة الأولى : إنها استشهاد على بطلان ما قالوه ببيان أنه E لو افترى على الله تعالى كذبا لمنعه من ذلك قطعا وتحقيقه أن دعوى كون القرآن افتراء عليه تعالى قول منهم أنه سبحانه لا يشاء صدورهعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بل يشاء عدم صدوره عنه ومن ضرورياته منعه عنه قطعا فكأنه قيل : لو كان افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنك وإن يشأ ذلك يختم على قلبك بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه ولمتنطق بحرف من حروفه وحيث لم يكن الأمر كذلك بل تواتر الوحي حينا فحينا تبين أنه من عند الله D وذكر في الجملة الثانية ما ذكره جار الله من الوجهين ولا يخفى عليك ما يرد على كلامه من المنع مع أن فيه جعل مفعولا لمشيئة غير ما يدل عليه الجواب وهو ذلك المشار به إلى عدم الصدور والمتبادر كون المفعول الختم على ما هو المعروف