منه الرؤيا الظالمين يوم القيامة مشفقين خائفين الخوف الشديد مما كسبوا في الدنيا من السيآت والكلام قيل على تقدير مضاف .
و من صلة الأشفاق أي مشفقين من وبال ما كسبوا وهو أي الوبال واقع بهم أي حاصل لهم لاحق بهم واختار بعضهم أن لا تقدير ومن تعليلية لأنه أدخل في الوعيد والجملة اعتراض للأشارة إلى أن إشفاقهم لا ينفعهم وأيثار واقع على يقع مع أن المعنى على الأستقبال لأن الخوف إنما يكون من المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه وأنه لا بد منه وجوز أن تكون حالا من ضمير مشفين وظاهر ما سمعت أنه حال مقدرة .
والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات أي مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها .
وقال الراغب : هي محاسنها وملاذها وأصل الروضة مستنقع الماء والخضرة واللغة الكثيرة في واواها جمعا التسكين كما في المنزلة ولغة هذيل مدركة فتحها فيقولون روضات إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ولم يقرأ أحد فيما علمنا بلغتهم لهم ما يشاؤن عند ربهم أيما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم فالظرف متعلق بمتعلق الجار والمجرور الواقع خبر الما أو به واختاره جار الله ونفي أن يكون متعلقا بيشاؤن مع أنه الظاهر نحوا وبين صاحب الكشف ذلك بأنه كلام في معرض المبالغة في وصف ما يكون أهل الجنة فيه من النعيم الدائم فأفيد أنهم في أنزه موضع من الجنة وأطيب مقعد بقوله تعالى : في روضات الجنات لأن روضة الجنة أنزه موضع منها لا سيما والأضافة في هذا المقام تنبيء عن تميزها بالشرف والطيب والتعقيب بقوله تعالى : لهم ما يشاؤن أيضا ثم أفيد أن لهم ما يشتهون من ربهم ولاخفاء أنك إذا قلت : لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه مما إذا قلت : لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب والمطلوب منه .
أما الأول فلأنه يفيد أن جميع ما تشاؤه موجود مبذول لك منه والثاني يفيد أن ما شئت عنده مبذول لا جميع ما تشاؤه وأما الثاني فلأنك وصفته بأنه يبذل جميع المرادات وفي الثاني وصفته بأن ما شئت عنده مبذول لك إما منه وإما من غيره ثم في الأول مبالغة في تحقيق ذلك وثبوته كما تقول : لي عندك وقبلك كذا فالله تعالى شأنه أخبر بأن ذلك حق لهم ثابت مقضي في ذمة فضله سبحانه ولا كذلك في الثاني ثم قال : ولعل الأوجه أن يجعل عند ربهم خبرا آخر أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤن وإنما أخر توبيخ السلوك المبالغة في الترقي من الأدنى إلى الأعلى ومراعاة لترتيب الوجود أيضا فإن الوافد والضيف ينزل في أنزه موضع ثم يحضر بين يديه الذي يشتهيه وملاك ذلك كله أني ختصه رب المنزل بالقرب والكرامة وأن جعله حالا من فاعل يشاؤن أو من المجرور في لهم أفاد هذا المعنى أيضا لكنه يقصر عما آثرناه قد أتى به إتيان الفضلة وهو مقصود بذاته عمدة ولعمري أن ما آثره حسن معنى إلاأنه أبعد لفظا مما آثره جار الله ولا يخفى عليك ما هو الأنسب بالتنزيل وفي الخبر عن أبي ظبية قال : إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول : ما أمطركم فما يدعو داع من القوم إلا أمطرته حتى أن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أترابا ذلك إشارة إلى ما ذكر من حال المؤمنين وما فيه من معنى البعد للأيذان ببعد منزلة المشار إليه هوالفضل الكبير .
22 .
- الذي لا يقدر قدره ولا تبلغ غايته ويصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا ذلك