الله الذي أنزل الكتاب جنس الكتاب أوالكتاب المعهود أو جميع الكتب بالحق ملتبسا بالحق بعيدا من الباطل في أحكامه وأخباره أو ملتبسا بما يحق ويجب من العقائد والأحكام والميزان أي العدل كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم أوالشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوي بين الناس وعلى الوجهين فيه استعارة ونسبة الأنزال إليه مجاز لأنه من صفات الأجسام والمنزل حقيقة من بلغه واعتبر بعضهم الأمر أي أنزل الأمر بالميزان وتعقب بأنه أيضا محتاج إلى التأويل وقد يقال : نسبة الأنزال وكذا النزول إلى الأمر مشهورة جدا فالتحقت بالحقيقة ويجوز أن يتجوز في الأنزال ويقال نحو ذلك في أنزل الكتاب وعن مجاهد أن الميزان الآلة المعروفة فعلى هذا إنزاله حقيقته وجوز أن يكون على سبيلالأمر به واستظهر الأول لما نقل الزمخشري في الحديد أنه نزل إلى نوح وأمر أن يوزن به وكون المراد به ميزان الأعمال بعيد هنا .
وما يدريك أي أيشيء يجعلك داريا أي عالما لعل الساعة أي إتيان الساعة الذي أخبر به الكتاب الناطق بالحق فالكلام بتقديره مضاف مذكر وقوله تعالى : قريب .
17 .
- خبر عنه في الحقيقة لأن المحذوف بقرينة كالملفوظ وهو وجه في تذكيره وجوز أن يكون لتأويل الساعة بالبعث وأن يكون قريب من باب تأمر ولابن أي ذات قرب إلى أوجه أخر تقدمت في الكلام على قوله تعالى : إن رحمة الله قريب وأيا ما كان فالمعنى إن الساعة على جناح الأتيان فاتبع الكتاب وواظب على العدل واعمل بالشرع قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفى جزاؤها يستعجل بها اذ لين لا يؤمنون بها استعجال إنكار واستهزاء كانوا يقولون : متى هي ليتها قامت حتى يظهر لنا أهو الذي نحن عليه أم كالذي عليه محمد E وأصحابه .
والذين آمنوا مشفقون منها أي خائفون منها مع اعتناء بها فإن الإشفاق عناية مختلفة بخوف فإذا عدي بمنكما هنا فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا عدي بعلى فمعنى العناية أظهر وعنايتهم بها لتوقع الثواب وزعم الجلبي أن الآية من الأحتباك والأصل يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فلا يشفقون منها والذين آمنوا مشفقون منها فلا يستعجلون بها ويعلمون أنها الحق الأمر المتحقق الكائن لا محالة ألا أن الذين يمارون في الساعة أي يجادلون فيها وأصله من مريت الناقة إذا مسخت ضرعها للحلب وإطلاق المماراة على المجادلة لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه ويجوز أن يكون من المرية التردد في الأمر وهو أخص من الشك ومعنى المفاعة غير مقصود فالمعنى إن الذين يترددون في أمر الساعة ويشكون فيه لفي ضلال بعيد .
18 .
- عن الحق فإن البعث أقرب الغائب ات بالمحسوسات لأنه يعلم من تجويزه من إحياء الأرض بعد موتها وغير ذلك فمن لم يهتد إليه فهو عن الأهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد .
الله لطيف بعباده بر بليغ بهم يفيض جل شأنه على جميعهم من صنوفه ما لا يعلمه الأفهام ويؤذن بذلك مادةاللطف وصيغة المبالغة فيها وتنكيرها الدال على المبالغة بحسب الكمية والكيفية فالحجة الأسلام عليه الرحمة : إنما يستحق هذاالأسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها ومادق منها ولطف ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيلا لرفق دون العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الأدراك تم معنى اللطيف ولا يتصور كمال ذلك إلا فيالله تعالى شأنه فصنوف البر من المبالغة في الكم وكونها لا تبلغها الأفهام من المادة