اليهود والنصارى المورثين الشاكين مشركي مكة وأحزابهم شيخ الأسلام واستظهر أن الخطاب في أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه لأمته صلى الله تعالى عليه وسلم وتعقب القول بكون المتفرق كل أمة بعد نبيها والقول بكونه إخلاف الموحدين الذين كانوا بعد الطوفان فقال : يرد ذلك قوله تعالى : ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم فإن مشاهير الأمم المذكورة قد أصابهم عذاب الأستئصال من غير إنظار وإمهال على أن مساق النظم الكريم لبيان أحوال هذه الأمة وإنما ذكر من ذكر من الأنبياء عليهم السلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيد الوجوب إقامته وتشديدا للزجر عن التفرق والأختلاف فيه فالتعرض فيه لبيان تفرق أممهم عنه ربما يوهم الأخلال بذلك المرام انتهى .
وأجيب عن الأول بأن ضمير بينهم لأولئك الذين تفرقوا وقد علمت أن المراد بهم المتفرقون بعد وفاة أنبيائهم وهم لم يصبهم عذاب الأستئصال وإنما أصاب الذين لم يؤمنوا في عهد أنبيائهم وإطلاق المتفرقين ليس بذاك الظهور وقيل : المراد لقضي بينهم ريثما افتروا ولم يمهلوا أعواما وقيل المراد لقضي بينهم بإهلاك المبطين وإثابة المحقين إثابتهم في العقبى وهو كما ترى وعن الثاني بأنا لا نسلم إيهام التعرض لبيان تفرق الأمم الأخلال بالمرام بعد بيان أنه لم يكن إلابعد أن جاءهم العلم بأنه ضلال وفساد وأمر متوعد عليه وأنه كان بغيا بينهم ولم يكن لشبهة في صحة الدين وقيل ضمير تفرقوا للمشركين فيقوله تعالى : كبر على المشركين .
حكى في البحر عن ابن عباس أنه قال : وماتفرقوا يعني قريشا والعلم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم كما قال سبحانه : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير الآية وقد يقال عليه : المراد بالذين أورثوا الكتاب أهل الكتاب الذين عاصروا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومعنى من بعدهم على ما قال أبو حيان من بعد أسلافهم .
ونقل الطبرسي عن السدي ما يدل على أن المراد من بعد أخبارهم وفسر الموصول بعوام أهل الكتاب وقيل : ضمير بعدهم للمشركين والبعدية رتبية كما قيل في قوله تعالى : والأرض بعد ذلك دحاها ولا يخفى عليك أنه لا بأس بعود ضمير تفرقوا للمشركين لو وجد للذين أورثوا الكتاب توجيه يقع في حيز القبول والله تعالى الموفق وجعل متعلق استقم الدعاء لا تخفى مناسبته وجوز جعله عاما فيكون استقم أمرا بالأستقامة في جميع أموره E والأستقامة أن يكون على خط مستقيم وفسرها الراغب بلزوج المنهج المستقيم فلا حاجة إلى التأويل بالدوام على الأستقامة أي دم على الأستقامة ولا تتبع أهواءهم أي شيئا من أهوائهم الباطلة على أن الأضافة للجنس وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب أي بجميع الكتب المنزلة لأن ما من أدوات العموم وتنكير كتاب المبين مؤيد لذلك وفي هذا القول تحقيق للحق وبيان لاتفاق الكتب في الأصول وتأليف لقلوب الأهل الكتابين وتعريض بهم حيث لم يؤمنوا بجميعها وأمرت لأعدل بينكم أي أمرني الله تعالى بما أمرني به لأعدل في تبليغ الشرائع والأحكام فلا أخص بشيء منها شخصا دون شخص وقيل : لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم وقيل : بتبليغ الشرائع وفصل الخصومة واختاره غير واحد وقيل : لا سوى بيني وبينكم ولا آمركم بما لا أعلمه ولا أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ولا أفرق بين أصاغركم وأكابركم في إجراء حكم الله D فاللام للتعليل والمأمور به محذوف وقيل : اللام مزيدة أي أمرت أن أعدل ويحتاج