الظلم والتجاوز والعداوة سبب له وهي الداعي للتفرق أو طلبا للدنيا والرياسة على أن البغي مصدر بمعنى طلب ولو لا كلمة سبقت من ربك هي عدته تعالى بترك معالجتهم بالعذاب إلى أجل مسمى معلوم له سبحانه وهو يوم القيامة آخر أعمارهم المقدرة لهم لقضي بينهم باستئصال المبطلين حين اقترحوا لعظم ما اقترفوا وأن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلّم وقرأ زيد ابن علي ورثوا مبنيا للمفعول مشددا الواو لفي شك منه أيمن كتابهم فلم يؤمنوا به حق الأيمان مريب .
14 .
- مقلق أو مدخل في الريبة والجملة اعتراض يؤكد أن تفرقهم ذلك باق في أعقابهم منضما إليه الشك في كتابهم مع انتسابهم إليه فهم تفرقوا بعد العلم الحاصل لهم من النبي المبعوث إليهم المصدق لكتابهم وتفرقوا قبله شكا فيكتابهم فلم يؤمنوا به ولم يصدقوا حقه .
فلذلك أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبا فادع إلى الأئتلاف والأتفاق على الملة الحنفية القديمة واستقم كما أمرت أي أثبت على الدعاء كما أوحي إليك وقيل : الإشارة إلى قوله تعالى : شرع لكم ومايتصل به ونقل عن الواحدي أي ولأج لذلك من التوصية التي شوركت فيها مع نوح ومن بعده ولأجل ذلك الأمر بالأقامة والنهي عن التفرق فادع وما ذكر أولا أولى لأن قوله تعالى : أن أقيموا شمل النبي E وأتباعه كما سمعت ويدل عليه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فقوله تعالى : فلذلك فادع الخ لا يتسبب عنه لما يظهر من التكرار وهو تفرع الأمر عن الأمر وأما تسببه عن تفرقهم فظاهر على معنى فلما أحدثوا من التفرق وأبدعوا فأثبت أنت على الدعاء الذي أمرت به واستقم وهذا ظاهر للمتأمل .
ومن الناس من جعل المشار إليه الشرع السابق ولم يدخل فيه الأمر بالأقامة لئلا يلزم التكرار أي فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيقي بأن يتنافس فيه المتنافسون فادع وقيل : هو الكتاب وقيل : هو العلم المذكور فيقوله تعالى : جاءهم العلم وقيل : هو الشكل ورجح بالقرب وليس بذاك واللام على جميع الأقوال المذكورة للتعليل وقيل : على بعضها هي بمعنى إلى صلة الدعاء فما بعدها هو المدعو إليه وأن تتعلم أنه لا حاجة في إرادة ذلك إلى جعلها بمعنى إلى فإن الدعاء يتعدى بها أيضا كما في قوله : .
دعوت لما نا بني مسرورا .
ونقل ذلك عن الفراء والزجاج وأيا ما كان فالفاء الأول واقعة في جواب شرط مقدر كما أشرنا إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى وقيل : كان الناس بعد الطوفان أمة واحدة موحدين فاختلف أبناؤهم بعد موتهم حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين ضمير تفرقوا لأختلاف أولئك الموحدين والذين أورثوا الكتاب باق على ما تقدم والأول أظهر .
وقيل : ضمير تفرقوا لأهل الكتاب تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث النبي ص - فهذا كقوله تعالى : وما تفرق الذين أوتواالكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وإنما تفرقوا حسدا له E لا لشبهة والمراد بالذين أورثوا الكتاب من بعدهم مشركوا مكة وأحزابهم لأنهم أورثوا القرآن فالكتاب القرآن وضمير منه له وقيل للرسول وهو خلاف الظاهر واختار كون المتفرقين أهل الكتاب