التصريح برسالته E القامع لأنكار الكفرة والألتفات إلى نوال عظمة لأظهار كمال الأعتناء بأيحائه وفي ذلك إشعار بأن شريعته ص هي الشريعة المعتنى بها غاية الأعتناء ولذا عبر فيها بالذي التي هي أصل الموصلات وذلك هو السرفي تقديم الذي أوحى إليه E على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا وتقديم توصية نوح عليه السلام للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم دينا قديما وقد قيل إنه E أول الرسل وتوجيه الخطاب إليه E بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على أنه تعالى شرعه لهم على لسانه صلى الله تعالى عليه وسلم أن أقيموا الدين أي دين الأسلام الذي هو توحيد الله تعالى وطاعته والأيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاء وسائر ما يكون العبد به مؤمنا والمراد بإقامته تعديل أركانه وحفظه من أن يقع فيه زيغ والمواظبة عليه و أن مصدرية وتقدم الكلام في وصلها بالأمر والنهي أو مخففة من الثقيلة لما في شرع من معنى العلم والمصدر إما منصوب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف والجملة جواب عن سؤال نشأ من إبهام المشروع كأنه قيل : وما ذاك فقيل : هو أن أقيموا الدين وقيل : هو مجرور على أنه بدل من ضمير به ولا يلزمه بقاء الموصول بلا عائد لأنه المبدل منه في نية الطرح حقيقة نعم قال شيخ الأسلام : إنه ليس بذاك لما أنه مع إفاضته إلى خروجه عن حيز الأيحاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مستلزم لكون الخطاب في النهي الآتي عن التفرق للأنبياء المذكورين عليهم السلام وتوجيه النهي إلى أممهم تمحل ظاهر مع أن الأظهر أنه متوجه إلى أمته صلى الله تعالى عليه وسلم وأنهم المتفرقون ثم بين ما استظهره وسنشير إليه إن شاء الله تعالى .
وجوز كونه بدلا من الدين ويجوز كون أن مفسره فقد تقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه والخطاب في أقيموا وقوله تعالى : ولا تتفرقوا فيه على ما اختاره غير واحد من الأجلة شامل للنبي صلى الله عليه وسلّم وأتباعه وللأنبياء والأمم قبلهم وضمير فيه للدين أي ولا تتفرقوا في الدين الذي هو عبارة عما تقدم من الأصول بأن يأتي به بعض ولا يأتي بعض ويأتي بعض ببعض منه دون بعض وهو مراد مقاتل أيلا تختلفوا فيه ولا يشتمل هذا النهي عن الأختلاف في الفروع فإنها ليست من الأصول المرادة هنا ولم يتحد بها النبيون كما يؤذن بذلك قوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وبعضهم أدخل بعض الفروع في أصول الدين المرادة هنا من الدين .
قال مجاهد : لم يبعث نبي إلا أمر بأقامة الصلاة وأيتاء الزكاة والإقرار بالله تعالى وطاعته سبحانه وذلك إقامة الدين وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لم يكن مع آدم عليه السلام إلا بنوه ولم يفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم وإنما كان منبها على بعض الأمور مقتصرا على بعض ضروريات المعاش واستمر الأمر إلى نوح عليه السلام فبعثه الله تعالى بتحريم الأمهات والبنات ووظف عليه الواجبات وأوضح له الأدب في الديانات ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل ويتناصر بالأنبياء واحدا بعد واحد وشريعة أثر شريعة حتى ختمه سبحانه بخير الملل على لسان أكرم الرسل فمعنى الآية شرعنا لكم ماشرعنا للأنبياء دينا واحدا في الأصول وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج والتقرب بصالح الأعمال والصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم وتحريم الكبر والزنا والأيذاء على الحيوان واقتحام الدناءات وما يعود بخرم المروءات فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة لم يختلف على ألسنة الأنبياء وإن اختلفت أعدادهم ومعنى أقيموا الدين ولا تتفرقوا