ما لا قصد فيه لا خلاف المعقودة إذ لا معقودة فتتحد الآيتان في المؤاخذة على الغموس وعدم المؤاخذة على اللغو إلا أنه إن كان للفعل المنفي عموم كان في الآيتين نفي المؤاخذة فيما لا قصد فيه بالعقوبة والكفارة وإثبات المؤاخذة في الجملة بهما أو بإحداهما فيما فيه قصد وإن لم يكن له عموم حمل المؤاخذة المطلقة في هذه الآية على المؤاخذة المقيدة بالكفار في آية المائدة بناءا على إتحاد الحادثة والحكم وسوق الآية لبيان الكفارة فلا تكرار وأيد العموم بما أخرجه إبن جرير عن الحسن أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مر بقوم ينتصلون ومعه بعض أصحابه فرمى رجل من القوم فقال : أصبت والله أخطأت والله فقال الذي معه : حنث الرجل يارسول الله فقال كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن اللغو هنا ما لا قصد فيه إلى الكذب بأن لا يكون فيه قصد أو يكون بظن الصدق وحمل المؤاخذة على الأخروية بناءا على أن دار المؤاخذة هي الآخرة وأن المطلق ينصرف إلى الكامل وقرنت هذه المؤاخذة بالكسب إذ لا عبرة للقصد وعدمه في وجوب الكفارات التي هي مؤاخذات دنيوية لا شك أنه بمجرد اليمين بدون الحنث لا تتحقق المؤاخذة الأخروية في المعقودة فلا يمكن إجراء ما كسبت على عمومه فلا بد من تخصيصه بالغموس فيتحصل من هذه الآية المؤاخذة الأخروية في الغموس دون الدنيوية التي هي الكفارة وفيه خلاف الشافعي وعدم المؤاخذة الأخروية فيما عداها مما فيه قصد بظن الصدق ومما لا قصد فيه أصلاوفيه وفاق الشافعيوحمل المؤاخذة في آية المائدة على الدنيوية بقرينة قوله سبحانه فيها : فكفارته إلخ وقوله تعالى : بما عقدتم على المعقودة لأن المتبادر منالعقدربط الشيء بالشيء وهو ظاهر في المعقودة فالمراد باللغو في تلك الآية ما عداها من الغموس وغيره فيتحصل منها عدم المؤاخذة الدنيويةبالكفارةعلى غير المعقودة وهي الغموس والمؤاخذة عليه في الآخرةكما علم من آية البقرةوالحلف بلا قصد أو به مع ظن الصدق لغير المؤاخذة عليهما في الآخرة كما علم منها أيضا والمؤاخذة الدنيوية على المعقودة التي لم يعلم حكمها في الآخرة من الآيتين لظهوره من ترتب المؤاخذة الدنيوية عليهفلا تدافع بين الآيتين عنده أيضالأن مقتضى الأولى تحقق المؤاخدة الأخروية في الغموس ومقتضى الثانية عدم المؤاخذة الدنيوية فيه ومن هذا يعلم أن ما فيالهدايةوشاع في كتب الأصحاب عن الإمام حيث قال : إن الأيمان على ثلاثة أضرب يمين الغموس ويمين منعقدة ويمين لغو وبين حكم كل وفسر الأخير بأن يحلف على ماض وهو يظنكما قالوالأمر بخلافه وثبت في بعض الروايات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وغيرهليس بشيءلو كان المقصود بما في التفسير الحصر لا التمثيل للغو لأن اللائق بالنظم أن يكون ما كسبت مقابلا للغو من غير واسطة بينهما وبقصد الحصر يبقى اليمين الذي لا قصد معه واسطة بينهما غير معلوم الإسم ولا الرسم وهو مما لا يكاد يكون كما لا يخفى على المنصف فليتدبر فإنه مما فات كثيرا من الناس